عابر رصيف ..
كم عدد المرات التي ذهبنا فيها للسرير وتلقائيًا أغمضنا عيوننا لكن هيهات للعقل أن يهدأ!!
ومع اختلاف الشخصيات وتفكيرها نجد من ينتظر اختبار دراسي، آخر ينتظر قبول لعمل، من يفكر بحبيبة بعيدة، مريض ينتظر الشفاء، فقير بلا مأوى يفترش الأرض بجانب مقهى فخم يحن للقمة هنية!!..
وبين عقل وعقل اللانهائية من التفكير!!..*
أنهى ندوته كأي ندوة أتقنها للتأثير في الحضور، اعتاد كريم على هذا: الصعود على المسرح الوقوف باتزان، سرد القصص والشِعر وبالطبع مايك صغير في جيب قميصة..
تارة يخفض صوته لإثارة فضول الجمهور وتارة يرفع صوته ليكسبهم الحماسة..
يعرف جيدًا كيف يخطو ومتى يتوقف..
متى يسحب الكرسي ليجلس عليه ومتى يخلع سترته ليضعها على الكرسي..
يعرف كيف يختار قاعات ندواته وكيف يروج لها ببراعة..
كقاعات السينما كراسي مريحة، إضاءة جلية،قاعة كبيرة مجهزة بتقنيات مهمة لكن تطورها لا يلفت الانتباه عن المتحدث!!
تصفيق شديد عند مناداة اسمه للصعود على مسرحه وتصفيق عند الانتهاء..
كم يحب هذا الشعور يبتسم ابتسامة تزيد رونقة عندما يتذكر إحدى جمل فيلم wonder: ( ربما لو كنا نعلم فيما يفكر الآخرون، كنا سنعرف أنه لا أحد عاديّ، وأن جميعنا نستحق الوقوف ليُصفَق لنا على الأقل مرة واحدة في الحياة.)
يشعر بالرضا لبعض الوقت..
ينهي ندواته ليذهب إلى مكانه المفضل مقهى جميل في المنتزة يطل على الشاطئ..
عند الشاطئ يوجد العديد من البواخر والمراكب..
يأخذ دفتر الطلبات ودون تفكير فنجان قهوة ليعدل مزاجه مع قطعة حلوى..
يجلس واضع يد على خده والآخرى يشرب بها القهوة التي يرفعها بكل هدوء إلى شفته ليشعر بمذاقها المعتدل ويستغل عينه لتأمل جمال الطبيعة أما أذنه يترك لها العنان لسماع صوت البحر..
يتخيل نفسه في مركب كبير بسبب مُقدمة المطعم التي تبدو كسفينة..
بعد ندوته الصباحية وإفطاره اللذيذ يأخذ قيلولته التي تسبق الغداء..
وهكذا يمر يومه..
بالطبع مع بعض الروايات ومع كل رواية يعيش مع أبطالها ويترك العنان لخيالة الذي لا حدود له..
———————
يُحضر حقيبته ويأخذ تذكرة السفر إلى القاهرة..
يقابل أصدقاء طفولته ليتمشى معهم..
يقابل عمته التي لا تمل من فتح موضوع خطبته..
: لديك المال والشقة والعمل..
ما شاء الله غير أخلاقك ودينك. توكل على الله يا ولدي و…
يجاريها في الحديث دون اهتمام مع ضحكة ساخرة، وحديث في النفس: آه اعتدت الهدوء والوحدة!! ما فائدة زوجة، أولاد ومصاريف..
يستأذن من عمته للذهاب إلى الشرفة، يتأمل السماء وسحبها..
حتى أنه حفظ أشكال السحب..
منها الكثيف الذي يُشكِل فيها رسومات بعقله من بط إلى ورود إلى رجل يبتسم إلى فتاة حسناء..
منها الخفيف كأنه شال على فتاة لها عيون زرقاء ترتدية في الخريف..
يشعر بحب السحب للقمر عندما تخفيه وكأن قمرها حزين فتقوم باحتضانه..
كطفل يشعر بالبرد في ليلة شتاء فتحتضنه أمه..
أما ذلك الوقت الذي تكون فيه بلا سحب فتُبين له صفاء العبد الذي ترك كل شيء خلفه وعاش لذة الطاعة مع ركعتين الفجر..
———-
يعاود الذهاب إلى الإسكندرية..
يضع السماعات ويستمتع طوال الطريق..
في اليوم التالي يجلس في مقهى في ستانلي يراقب جمال الكبري وهو يرشف من قهوته..
ليقطع حبل أفكارة صوت طفلة في العاشرة من عمرها: أمي، هل أضع له المال، المسكين نائم على الرصيف بملابسه الممزقة..
يلتفت يمنة ويسرة ليبحث عن ذلك المسكين فيتذكر أنها تتحدث عن مرآته يقوم بثقل شديد ويجر قدمية جر ليتسكع في شوارع الإسكندرية ويعيش يوم جديد مع روتين جديد وغلاف آخر لا ينتمي له!!
رغد كمال – فلسطين
#رغد
#رغد_كمال
#عابرة_سبيل
#خواطر_أديبة
#قصة_قصيرة
#تصويري
#لقطتي
#عابر_رصيف