تلك النملة ***
وسط طوفان الحزن الصامت الذي كان يخيم فوق رؤوس الجالسين في خيمة العزاء ، وبينما كانت الهمهمات الغامضة للأحاديث الجانبية تمر بسمعى دون ان يفسرها عقلي ، كنت مطرقا إلى الأرض أتبع ببصري نملة تغذ السير وهي تحمل جزءا من ورقة شجرة .. وكنت مشغولا جداً بسؤال نفسي ..هل يشعر النمل بالحزن؟
لا ..لا أظن أن النمل يملك وقتا للحزن ، فهو مشغول دائما بنقل الاشياء ..ترى هل لو شغلنا أنفسنا بحمل الأشياء أيمكننا حينها أن نخدع الحزن ونراوغه؟
كان من شبه المستحيل أن تصل تلك النملة إلى وجهتها وهي بين كل هذه الأقدام ذات الأحذية الثقيلة التي ستدوسها حتما دون أن تشعر ، هل نحن أيضا مثلها نسير وسط غابة من الأحذية الثقيلة العمياء؟؟
تلك النملة الوحيدة لم يكن في طريقة سيرها ما يدل على أنها كانت تملك فكرة واضحة عن الإتجاه الذي يجب عليها أن تسلكه ، كانت ضائعة تماما بين الأقدام وأرجل الكراسي ، وتبدو مرتبكة تحاول أن تجد مسارها الذي اعتادت عليه ولكن دون جدوى ، واكتشفتُ أن الحزن الذي اقتحمنا فجأة يمكن أن يغير أشياء أخرى في الكون لا نعلم عنها شيئا ، فنحن نبنى صروحا لأحزاننا ، نحن نحتفي بالحزن ، نقيم له الولائم ، ونقفل به الطرقات ، وننكر به على الآخرين أفراحهم . لكن بدا لي في تلك اللحظة أن تلك النملة كانت تحاول العبور فوق حزننا ، تحاول الخروج من ظل خيمة العزاء الكئيبة التي شيدناها على مسكنها لنحزن قليلا ، أو لنتظاهر بالحزن ونحن ندوس النمل تحت أقدامنا.
# مصطفى جمعة – ليبيا
