قافلـــة آيبة في معية بصيرة – منتصر منصور – السودان

قافلـــة آيبة في معية بصيرة

لم أصنع لإخوتي بئراً أو حلماً، لفافة دم وحيدة سحبتها ممرضة بفوضي لم ترتب رقتها متاع الأصابع لأشبه بصمة قلب ما، ظللتني سحابة وحيدة كانت تغني بأنفاس الظهيرة لإبنتها الثلجية وتستفز غضبها، كان لي قدمٌ تقف في الذكري الباردة وهي تخمد حريق نفايات، ظنِّي يترجل لكن المغارب تبتعد بفعل الطيور القانية، المناديل التي أهلكها الدمع لم نصنع منها وقوداً لكنها تصلح للبلل مرةً ثانية، صديقتي لاتعلم أن البنادق لازالت تغني، المغني حباله تقطعت حين ركضت خلسة خيول حنجرته في (عز الجمر)، كل مافي الأمر ان رجلاً كان يسعلُ صامتاً فأهتزت نافذة عمره الوحيدة بلحن رخو يصلح ان يكون صباح لمدينة تسقط عواميد ذاكرتها كسفاً محترقة، كانت هناك محاولة أن يطفئها ايقاع يسيل على (باغة) ماء في السوق فأغترت به اواني الالمونيوم ورقصت، في قدحي ينفخ أصدقاء واجمون(كجمورو) بحساء عيونهم، مردة قديمون لم يغادروا جرة طينهم فتهشمت بالمصابيح، ماذا لو تساقطت من كفي خبزة لم تنمو على أرض شحاذ لايحفظ مدحة واحدة؟، ثمة رملٌ يتساقط من خد حجر ينهض للركض بوادي شجر يسير، الجنة تنمو في الخرابات المذعورة التي إستيقظت ظهيرتها، الثمر باق في الأرض حتي تخصفه المطر، في الجسد وُحدةٌ تكفي شارعاً هشاً يُضئ انور حديث نميمته بالتتابع، الأبواب صاخبة بنداءاتها وتسعي (سعياً مشكورا) للظل، تجر جنازير الكلام المصفد في الحوائط وتصرخ، الشمس تضع عتمة الليل في حقائب مفتوحة، البريد المرسل يخلع حداد الاقلام ويُخضع الموت في تابوت طابع تنز منه التواقيع الحمراء المُحذّقة، جفني يخشي القش ولو كان وردة (إيفوربيا)، يتساقط الروث الحجري على صدري فيطير الريش لرؤوس كثيرة تتحسسها، اسطو على غابة متحجرة لا تكشط كعوبها، الماء آسن والعرق يغوي طرف الوحل بالأقدام، ثمة طرق محجلة تصنع ساحة شطرنج لخيولها لعلّها لاتقفز في (لام) الحوار، أفكِّر أن إهتزاز الارض لايعني أن القبور سائمة لوقت خليقتها، كأنها تصفي وجه الملل من الرمل والحصي، ماذا لو أشعلت سيجارة نزقي من بركانٍ نفد وقوده؟، ستقبع النار في مسافة هواء التبغ، حتي تأتي على حشية الإسفنج فتستريح، كلما صادقتَ الوسائد إنحنت كحوجة عجوز لطقطقة مبخر، جربتَ أن أصنع دخان من دمية طفلة ترقص، بدلاً عن ذلك وضعتُ ساقاً على ساق وأنتظرتها أن تغفو، لم تنفض يديها حين سقطت فكة الحيرة من صدرها، جربت أن أصنع لها جدلة من الطين لكني غرقت في ضفة خصرها فتمسكتَ برباط قميصها الصليبي، مددت ثوب العناق ولم أجث على ركبة بلاطة فأستقام ضلعها الاعوج وركلتني بنهديها، في الظهيرة اللزجة سحبت يدي ورسمت لصفصاف صدري خطاً، سبحت مراكبها طويلا على قفاي، ناديت على نقطة بعيدة في وجهها فرمتني بمنجنيق مقلتيها، لون قهوتها الرمادي يلحد بالشمس فيأتي شعاعها مخادعاً للصبية، انا خطاف الهواء ومرسي النهر الذي ينمو على خيط عنكبوت هجرت طرائدها، أحذية الماء الغائصة في رصيف الطين والآعيب الناموس، حبة قمح تنمو في رغبة خميرة لكن سنابلها حراب مخفية لجوف الطواجن، زخرفةٌ مائج جيشها ليعصي اكوام سحاب يرتجز، كلما صادفت شجرة اشاحت جزورها واحصت اوراقها فأتبيّن كراهيتها لآخر ورقة، اخفت نسبها مع الشمس واطلقت سراح اطفالها للخريف، لا أستطيع أن احك ظهري المعتل بالشوك لكن الأسئلة تنغرز ولا اطعم إبتسامتي إكسير الرضا في نافلة شوق يسبِّح بالمغيب فيدرك خفة ضحكتي، وربما يدرك مايدور خلف كم قميصي من رذاذ طاهي الملابس، يخدش خلف جبهتي من نشوة في عصير البراطيش، تتملكني رغائب من أخمص قدمي حتي قمة راسي المنعقدة تحت لواء الإنحياز للمطر، كنت بتمام عاصفة لم تنوي أن تدور خلف صِبية يلعبون بطفولة قابلة للطي في سجادة الزمن، لها رسومات جبابرة والآت موسيقية بطيئة العزف لا تركض طمأنينة جوقتها، صرت ارتبك لو سارت بجواري نظرة مسرعة فأصطدم بعمي قلب غيري، كنت أنادي على إخوتي وهم يدفنون البئر التي حفرها غريبٌ على الشاطئ…

لكن ماذنبها إذا لم تبتلع سرهم الوحيد؟، وماذنبي إذا تشبثت طويلا بدلو القافلة الآتية في ظهيرة فجيعتها؟!.

_______

#حاشية

*عِز الجمُر: أغنية سودانية معروفة

*باغة: إناء بلاستيكي مفتوح لحمل الماء

*كُجُموروُ: خمر محلي يصنع من السمسم

*سعياً مشكوراً: جملة مُجتزة تُكتب على ظهر منازل الآتين من الحج

(حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً)

*لأم: حرف لام إختصارا لخرافة الحوار الوطني المزعوم في السودان

منتصر منصور – السودان

اترك رد

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s