……..الطّين يستردّ نقاءه………
في هجعة الوعْي يخفُّ اللّجاج ، أنفلتُ من منظومة السّؤال والحِجاج . ألْبسُ عِتْقِي وأقتحمُ المسافات البعيدة .أغُوصُ في عُمق اللُّجج ، مع الحُور أسبحُ ، أغزُو المُدن المائيّة ، على جدرانهِا أنقشُ قصّة .أسحبُ من حُنجرة الوقت سؤالا وغصّة ، أدفنُ الكلّ في مقابر المحار . أتمرّدُ . منتصرة على هامتي يعلّقُ ملك البحار تاجا ، يُصبح لي تابعا ، يقرأُ تعاويذه الغريبة فأبهتُ وأنا أراني بذيل طويل ، أنخرطُ في السّرب المائي لكنّ رأسي يُمسك بتلابيب صورته القديمة . نظرتُه تطفحُ توجّسا ، شزْرا يرقبُ الذّيل الطّويل، يسخرُ، يهمسُ: مالك أيّها ألأبله هلْ فقدتَ حِجاك؟
ويشتدّ ُالصّراع بين رأسٍ وذنَب وأنا تائهة يُسعدني التّغييرُ لكنْ يُوجِلُنِي الصّخب . تُلاحقُني الأرضُ الموغلة في الغباء على أسوارها ترفعُ راية الفكر والحرّيّة وهي في الحقيقة من الإدراك خواء. كلّما قبّل خطوي ثراها ، كلّما مددتُ اليد لأرتشفَ من مائها ، هاجمني الملح، حوّل إحساس العجز جُرحا والتفّتْ حولي هياكل لا هي أطيافُ إنس ولا هي أشباح هاربة منْ قُمقم الأساطير . فقط تتجمّعُ حولي لتكتم صوتي أو تسرق أصابعي . همّها الوحيد أن تحرقَ كلّ فكرة ، كلّ سؤال وأن تثبت أن تغيير التّفاهة باتَ محالا.
لا وضوح هنا . العقلُ حبيسٌ ، والبياض لون سرقته الغربان الشّيب ، أُقصِيَ من دائرة الفنون أمّا بقيّة الألوان فتصطفّ كالعبيد ، تأتمر بأمر صاحب الحلّ والعقد ، الأسود ، الأسود شعار النّباهة في زمن الخنوع والوقت صار باهتا لا لون له ، الفجر فيه علّقتْ أسفاره على مشنقة الأفول والمدينة ذات اللّون الباهت ما عادتْ تُغريني لذا شمّرتُ عنْ ركبتَيَّ وانطلقت . رجلاي وحدهما سبيل الخلاص ما دام العقل مُقصى واليدان مبتورتا الأصابع فلا قلم يكتب ولا فرشاة تنسّق الألوان .
الماء مطهّر ، من الماء خلقت الحياة، وأنا مولعة بالطّهر ، أقضمُ وجع الحقيقة ، أنفثُ السّحر في اللّون الباهت ، أحوّلهُ ألوانا ، اصنعُ مجموعتي كما اشتهي ، لوحتي ربيبة النّور تهْوى الضّياء وأنا واللّوحة في خضمّ الوقت بلْ في كبد الوقت نضخُّ منِْ أحلامنا ما يُحوّل اليباب عمارا ، ما يُلبسُ المُدن وشاح البهاء لذا أنا مِنْ هنا ، من مدينة الماء ، من عالم الحور والحرّيّة أقطف نبتة الحياة ، أعود محمّلة بالخير ، في خاطري تتفجّرُ الينابيع ، تسقي الضّحالة فيّ ، في عيني يلمعُ الفجر ، أحسّها أصابعي كما النّبت تنْمو ، تزهرُ ، قدمايَ على وجه الثّرى تُقبّلان العِطر ، بي تُحلّقان كما الطّير وأنا بين الدّهشة والفرحة أرتّلُ للكون تسابيحي ، أغنية طيني يستردّ ُنقاءه .
تونس…..15 / 7 / 2020
بقلمي…جميلة بلطي عطوي – تونس