نار علي القمة ..
لم يتربى ذلك الجيل في (الهيف) ولا علي أنغام(فيروز) ولا يفطر علي (النوتيلا) بل يا عزيزي ذاك الجيل الذي ترعرع في العقيلة عرف كل زوايا ذلك السجن الكبير ولا تقل لي انهم كانوا صغار عندما أجبروهم علي الانتقال الي قمم القفار حيث لا تعيش إلا العقارب والصمت…..
انه جيل تعود علي الاعتماد علي النفس تربى علي الاقتصاد في كل شئ في الأكل والمشاعر وحتي الكلمات، لم يخضع الي الإحتلال ولم يكبح الجوع عزيمتهم، بل يا عزيزي عاشوا احرار فالصقر يظل حراً حتى وإن وضعته بين أربعة قضبان….
عاشوا رغم الأسى والحزن مرفوعين الرؤوس لأنه علي ما يبدو لا يمكنك أن تشعر بالفخر طالما أنك قد شبعت….
عمتي هذه تدعى (قادرة يوسف الشاعري) لازالت الي الآن تظن أن الرجل الذي يتكلم في التلفاز ينظر إليها ف تخجل جدا حتي أنها(اتقنع) ما هذا النقاء وما هذه العفه، لم يسبق لها ان جلست علي الصالون فإنها قالت أن الصالون خلق (للافرنج) بل تضع (رداها) لتجلس علي الأرضية مباشرةً…
أظن أن المطر لازال ينزل لأجل هؤلاء ف كما نعلم أن الطهارة لا تنزل إلا علي الأنقياء….
عندما تخبرني عن المعاناه في سجن العقلية فإنها تخرج الكلمة ومعها عشر شهقات ، تخرج الكلمات بصعوبه تختلط الدموع مع شرحها تنظر إلي السماء تبحث عن ما حولها لتصف لي حالة معينة عن ألم لا يمكن أبدا لبعض من المعاني تصويرها…
تقول جدتي(الزامقة) رحمها الله أن إحدى الشابات في منقطتنا (الأثرون)جائت مره لتشتكي لها من زوجها فبدأت المرأة تقص لها معاناتها اليومية مع ذلك الزوج القاسي ،فردت عليها جدتي انها بأفضل حال لن يكون ك سجون الإحتلال، وقالت لها غناوة تبعث فيها الأمل من جديد ،(يتبارق سماه بغيم بعد أجداب يا عين وكلي)….
يمكن لعمتي قادرة ان تكمد مشاعرها عن أي شئ إلا عن عقيلة، يبدو أنه لم يكن مجرد سجن لا أدري يمكن أن يكون حتى حقل لتجارب لأولئك الأوغاد….
كلما التقيت بها اتأملها كثيرا تخبرك من الملامح أنها عاشت القهر و الجوع والحرمان وعن العزه والشرف والطهر أيضا…..
محمود الشاعري – ليبيا

وبعد كل هذه السنوات والعقود لازال معتقل العقلية جرح الذاكرة الوطنية .
إعجابإعجاب