ولادة – نعمة الفيتوري – ليبيا

ولادة ..

كان هذا العالم أشبه بحفرة كبيرة حين بدأت خطواتي تتهجى مشيتها الأولى،لم أكن تلك الفتاة الحالمة، وكأنني ولدت كبيرة، لم أشعر بمرحلة المراهقة، أو هكذا خُيل لي؛ فقد كان الجميع يعهد إلي بالمهام الصعبة التي تكبرني كثيراً وحتى الآن لا أعرف لماذا كانوا يثقون بي كل هذه الثقة ربما هدوء طبعي فأنا قليلة الكلام ، كانت كل أحاديثي من الداخل فأنا مجنونة في نظر نفسي أراني هكذا وأعيش بشخصيتين ، أبدو امرأة هادئة وفي داخلي ثائرة ومتمردة حتى أثناء المناقشات أو أي لقاء يجمعني بأصدقائي، أستمع كثيراً ليس لأنني حكيمة لكن هكذا أحيانا أود لو أرد على أي حديث لكن أتكاسل أو أصمت وأقول في نفسي :لا داعي ومافائدة وما الذي سأقوله؟ كم هذا مريع وأكرهه لكنه يحدث كثيراً وفي أوقات ليست قليلة أحمد الله أنني لم أشارك في الأحاديث .

كان أخي متطرف الرأي كثير التشنج لا يسمح لأحد بمعارضته كنت أضحك في نفسي كثيراً عندما أراه يتجادل في أمرٍ ما ..هل يستحق أي شيء كل هذا التشنج؟وفي النهاية ما الفائدة أن تثبت أنَّ رأيك هو الصواب؟ وهل كل صواب لا يحتمل الخطأ ؟ حتى في هذا لم أحاول أن أدافع عنه.. ربما أنا عندي عقدة ما من الضوضاء حتى في الحديث العادي، طبعي الهادئ ومزاجي يميل إلى البطء والتروي لدرجة أنني أكره نفسي لذلك، ما علينا المهم أنني لا أحاول مناقشة أخي أبداً حتى لا أخسره فأنا أحبه كثيراً .

مايحيرني أنه أحياناً تتولد لدي رغبة جامحة للحديث والمناقشة غالباً في الأمور التربوية وكل ما يتعلق بالاطفال هذا العالم البريء والمدهش أتلذذ في الدخول إلى عالمة بكل كياني العاشق له، ولجنونه، وتمرده البريء، وانتصاراته علينا نحن الكبار الجامدين، غير المتجددين ذوي الوتيرة الواحدة غير الجذابة.

كنت قبل حملي الأول أُعد نفسي جيداً لأكون أمّاً رائعة ، اشتريت كل مايخص فترة الحمل والولادة وما بعد الولادة من كتب وقرأتها جميعاً ويوم ولادة طفلتي باغتني الألم في منتصف الليل تماماً وعندما تكرر بعد ربع ساعة عرفت أنها اللحظة التي أنتظرها، هرب النوم واستيقظت كل حواسي وبدأت أمرن نفسي على تمرين التنفس الذي قرأت عنه، انسحبت بهدوء من غرفتي بعد أن أغلقت الباب على زوجي حتى لا أزعجه ، وبدأت أتمشى في ممر شقتي ذهاباً وإياباً مع ممارسة التمرين ، استمر الأمر كذلك حتى تقاربت نوبات الألم إلى أن أصبحت تأتيني كل خمس دقائق ، اغتسلت وجهزت نفسي وأيقظت زوجي لنذهب لأمي وأبي رحمهما الله وبمجرد أن فتح أبي الباب ووجدني أمامه ابتسم لي وقال: خلاص.. على خير إن شاء الله ..

ودخل مسرعاً ليرتدي ثيابه ويرافقنا ..وجاءت أمي لتبخرني بالسكر لتقوية الطَلق وتقول لي مري عليه سبع مرات وكنت أطيعها وذهبت مسرعة وجهزت نفسها وانطلقنا معاً للمستشفى ،كان الوقت قبل الفجر بقليل، كان الله يرانا وكنت أشعر بذلك في كل لحظة كنت مطمئنة ،ماذا يمكن أن أطلب أكثر من ذلك؟ عند دخولنا للمستشفى أخذوني وودعتني أمي بقبلة قائلة: لا تخافي قلبي معك سيكون كل شيء على مايرام، أقسم أني لم أشعر بالخوف وعندما نمت على سرير المستشفى سمعت آذان الفجر الله أكبر وكانت نظراتي تتنقل بين سقف الغرفة العالي والنافذة الوحيدة التي تسللت منها خيوط النهار بعد ثلاث ساعات إزدادت التقلصات وجاء إليّ الطبيب بنفسه مبتسما وبعد تأكده أن طفلتي قررت أن تأتي ساعدني أن أنام على السرير الاخر الخاص بغرفة الولادة وسار بي يجرني بنفسه ويغني لي: الدنيا حلوة يا الله ما أجمل هذا اليوم .

في غرفة الولادة كان هناك بعض الممرضات الأجنبيات وجدت منهن اهتماماً كبيراً لأنها المرة الأولى بالنسبة لي وكنت أمارس تمرين التنفس كلما باغتني الألم ولم أصرخ كان الألم محتملاً في الحقيقة لا أدري هل الألم كان محتملاً فعلاً أم رغبتي في أن أرى طفلتي هو الإحساس الأقوى وبمجرد أن سمعت صراخها تنفست بعمق وصفق الجميع وقالوا برافو دكتور برافو بايشنت “المريضة” لأن عملية الولادة كانت بدون صراخ وفوضى وهادئة مثل طبع ابنتي تماماً التي احتضنتها بمجرد أن أحضروها لي وعانقتها بروحي قبل عيني.

————————–

نعمة الفيتوري – ليبيا

من مجموعتي القصصية

#يوميات_شحن

تحت الطبع

اترك رد

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s