نوستالجيا – محمد الشربينى – مصر

نوستالجيا ..

هناك حيث الأرض أكثر صلابه، النهار أكثر صفاءً، الغيوم ركاماً، زخات المطر لا تتوقف، إلا أنها لم تكن توحل أبدا، هناك حيث أوراق الأشجار المبللة بالماء، ورائحة الشتاء تعم الأرجاء

هناك حيث كانت قطرات الندى على أوراق الوردة الحمراء بحديقة منزلنا تدفعنى دفعا لتأملها، النخلات الثلاثة الناشئة، أشجار السفرجل الهندى (القشطة) التى غرستها واحدة تلو الأخرى بالحديقة الخلفية، أشجار البونسيانا المزهرة على طول السور الخارجى، الشرفة المكشوفة المواجهة للطريق تَجمُعنا بها قبيل الغروب، غرفتى سريرى الأثاث كل شئ هناك كان مثالياً، كان دافئا، قال بأسى كان دافئاً تماماً، والارض هناك كانت صلبة تماماً أيضاً.

كان الجو بارداً وأقدامهما تغوص فى الرمال، حين كانا بمناوبتهم اليلية لتفقد معدات الحفر بالموقع الجديد بعمق الصحراء، لم يكن معلوما كم يمكثون أو متى يرحلون، كان كل شئ مضطرباً، إلا أنه ومع كل هذا التشكك والتوجس كان نظامياً ودقيقا وحالماً الى حد بعيد

كانا قد أمضيا بالموقع خمسة عشر يوماً فى تركيب المعدات

حين سأله صديقه

أى الأماكن ترغب فى قضاء عطلتك بها؟

كانت رغبته صادقه وملحة، وحنينه لبيته لافتاً، إلا أن تعجباً من نوع ما إنتاب صديقه، وتسائل فى صمت علامَ الأسي إذاً !؟ لكنه ومع ذلك قال

إذاً لتذهب الى هناك، أعتقد أن بعد تنقلنا بين ثلاثة مواقع فى الفتره الاخيره تحتاج لمثل هذه الزيارة.

وفى صباح اليوم التالى حزم أمتعته وغادر الى هناك

وقف أمام البيت، نظر إليه أحصى كل شئ، قال

كل شئ على ماكان عليه إلا أنه هَرِمَ قليلاً، كانت الأرض تبدو صلبة ومستقرة كما كانت دائماً، إلا أن الرمال الاتيه تباعاً مع الرياح قد غطت أكثر من نصف البيت تقريباً.

وبعد تأمل لم يدرى، هل غطته الرمال الاتية مع الرياح، أم أنه هو الذى غاص فى الأرض التى لم تعد صلبة كفاية لحمله؟

وبصعوبة بالغة فتح الباب الحديدى، دلف الى الداخل ذهب ليتفقد أشجارة، وإذا بقدميه تغوصان بعيداً فى الرمال، لم يتمكن من التثبت هل كان هذا بفعل رمال الرياح أم هشاشة الارض، إلا أن مسارا صغيرا هناك بمحاذاة حائط البيت الشرقى كان صلباً تماما، ذهب الى حيث هو ليتأكد بنفسه، وإذا بها وقع خطى متراكمة لمن كانوا هنا يوما، لكنه وجد أيضاً أن الحائط بجوارها كان قد غاص بالأرض، هنا فقط أدرك أنها لم تعد صلبة كفاية لحمله.

قطع اجازته، عاد الى موقعه هناك بعمق الصحراء، جمع كل عربات صهايج المياه، أمضى ما تبقى من إجازته فى تثبيت أرض الموقع بالماء، لكنه ومع ذلك حين انتهت الإجازة واستأنف عمله، ظل نظاميا ودقيقا لكنه أصبح حالما فقط الى حد ما.

محمد الشربينى – مصر

اترك رد

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s