مشهد من الذاكرة
—————
بذرة أنا ولدتها أمي زغرودة جماعية مُمَوسقة طاهرة لم تعرف الزيف ، نثرتها نساء المدينة تعانق السماء وطعام عقيقة لشاة ذبحها أبي استقرت نِتفا ببطن مشائخها و وجهائها ، كبرت بهم وحملتني الزغاريد أسمو عن الصغائر حتى صرت ولا زلت ذاك اللسان الراقص الذي يمنعني الزيغ أو أخذل من صرت منهم ، ذهبت إلى مكاني المحدد بالمحضرة الذي وهبنيه شيخ الجامع لقراءة القرآن ومقعد المدرسة مادة طيّعة جاهزة للتشكيل ، فقد جئتهم غضا فأنبتوا لحم الأفكار حول عظمي ولا زلت امشي بها دون تعب ، كل محيط الذكور ببلدتي كان عمي أو خالي والنساء خالات وعمات بتبريرات كانت حينها مقنعة ، يتذكّرهُن أبي أو هكذا شُبِّه لي عند كل عيد يطل ، فنعيد استذكارهن برسم خارطة المعايدة ومن أين نبتديء وأين ننتهي ، نطوف كل البيوت ولا نخرج إلا وقد أفرغنا كأسا من ( لاقبي ) ببطننا أو نتذوق من طاجين أضحيتهم بشوكة نخلتنا بعض الشيء ، تلك التي تجمع بين العيدين إما رحيقا أو شوكة غير خائنة ، هكذا نبتنا من ترابها حبات متوائمة متجانسة لا يرفض بعضها بعض ، حتى هاجمنا الإسمنت وقبيله فجعل العلاقات حادة جامدة تلسعنا في الشتاء ببردها وتشوي أجسادنا في الصيف وتجرح حواسنا وجباهنا متى اصطدمت بنا لتزيد قهرنا بعد أن لعب دوار التمدن والحداثة بنا ، فما عدنا كما كنا بالفطرة ولا ركبنا في المقاعد الأولى بقطار الحضارة ، صرنا نتبارى لتلقيط فتات المناديل المستهلكة الساقطة متى اُستغنيَ عنها من النوافذ المسرعة ولا زلنا فإلى متى؟؟ .
————–
بشير قطنش – ليبيا