تَوَرُّطُ الشاعر ..
عندما يتورَّطُ الشاعرُ في قصيدةٍ أوِ الكاتِبُ في نصٍّ أدبيّ -أيّاً كان نوعُه ، فإنّه سيرضى بأيِّ اقتراحٍ يمليه عليه قلبُه أو عقلُه ، سيرضى بأيّ حَلٍّ تقترحه نفسُه عليه لينجوَ من هذا العذابِ النفسي.
الشعرُ والكتابةُ مرض ، قد يبدو الأمر للمُتَلَقِّي جمالاً باهراً وفَناً ساحراً وفعلاً قاهراً وفي الوقتِ ذاتِهِ طيِّباً يُحاوِلُ الأديبُ به أن يدفع بعض سُوءِ هذه الحياةِ الكئيبة، بحركتها الرتيبة ، أن يمسح من على قلوب الناس غبارَ الألمِ والحَزَنِ الذي كثُرَ فغطّى بصيرتها وأعماها فمنعَها كثيراً من الحسنِ الكامنِ في داخلِ كلٍ منّا ، وداخلِ كل مخلوقٍ في هذا الكون ، حتى الصخرُ إذا مادقَّقَّت فيه وجدت حُسناً كامناً !!
وبينما يبدو الأمرُ للبعضِ كذلك ، هو في الحقيقة عذابٌ لا يعدِله عذاب.
فالشاعرُ مثلاً عندما ينوي كتابة قصيدة فكأنّما هو يقطع عهداً على نفسه أن يبنيَ وطناً كاملاً لا جوعَ فيه ولا ظمأَ ولا خوفَ ولا حَزَنَ ، وأنّى لكَ بهذا ؟!
فعندما يكتشفُ الشاعرُ أنَّهُ هدّدَ نفسه وموهبتَه وضَيَّقَ على قريحته البشرية ( هذا التخصيص الواضح يوحي
بضَعفِ القريحة البشرية وأن لها حدوداً وأنها قد تنتجُ الرديءَ والجَيِّد ، وأيضاً يجعلني أفترضُ فرَضيَّةً تقول أنّ للجنِّ قرائِحَ أيضاً ، قرائحَ خارقة، ومذهلة لا تنتجُ إلّا مثاليّاً وكاملاً واستثنائياً ، فقطِ السؤال هنا “هل يقرضون الشعر أم أنهم يستخدمون قرائحهم في خلاف ذلك !! ” اللهُ وحدُهُ يعلَم )
المهمُّ
عندما يرى الشاعرُ أنّه يكادُ يُجَنُّ وقد أنهَكَ قريحته حتى صارت تَتَعوَّذُ منه، سيرضى بأي مخرجٍ يفرُّ من خلالِه ويُنهي قصيدتَهُ الموعودَةَ بالكمال التامّ ، وهي لم تكتَمِل بعدُ ، فيقبلُ أرخصَ حلٍّ ويتَّخِذُ أوهنَ عُذرٍ ، المهمُّ أن يرتاح من قصيدتهِ الموعودةِ الناظرةِ الكمالَ من ناظِمِها ، والتي تشغلُه حتى في غُبِّ منامِه ، أنْ أكمِلْنِي لِأكتمِل.
فلا يرى الشاعرُ غيرَ أن يتهربَ من قصائِدهِ المُؤَمَّلَةِ كمن يتهربُ من دَينٍ أرَّقَه ، ولاتَ حينَ مَهرب ، فإنَّ وعدَ الحُرِّ دَينٌ علَيه.
محمد صلاح الحكمي – اليمن
