استفزاز ..
الاستاذ عدنان لا أعرف بقية اسمه فلسطيني الجنسية أبيض البشرة طويل القامة اشقر الشعر والشوارب ذو عينان زرقاوان له شخصية مميزة وبنية قوية في صوته بحة محببة .
كان أحد المدرسين بمدرستنا الاعدادية ، مدرسة شارع الصريم الاعدادية ،مادته الاصلية التي يدرسها هي الاجتماعيات ولكنه لا يكتفي بذلك ففي حال غياب اي مدرس تجده امامك في الفصل يشرح اللغة الانجليزية والرياضيات والعلوم وأي شيء حتى الرسم والموسيقى.. يحترمه الجميع من ادارة ومدرسين وطلبة. اعتقد انني لم اصادف معلماً بهذه الشخصية المميزة في حياتي ولا بتلك الاتمكانيات ولا لمقدار حبه وانتمائه لوطنه المغتصب ، فعندما يسرد لنا حكايات فلسطين والعدوان الاسرائيلي نلاحظ لمعة في عينيه وحجرجة في صوته ويبدأ يلوح بقبضته في وجوهنا ويضرب بعا طاولته حتى نكاد نظن اننا من بقايا ابناء جولدا مائيير او اخوة موشي ديان ونحن لا ندري ولكنه سرعان ما يتادرك نفسه ويخفض صوته ويبتسم ابتسامة اليائس المخذول..
لا يهمه شيء سوى ان يفهم الطالب بأي طريقة ولا يكثرت بأحد فتراه أحياناً يغني لنا اغاني الفدائين ويشرح لنا معانيها كاغنية انا صااامد ..وفدائي ..وجايينك يا فلسطين وغيرها واحياناً أخرى يكاد ينسجم ويبدأ يحرك اقدامه كأنه في دبكة مع كلمات اغنية فيروز دقة اقدمكن ع الارض هدارة ..مرة وهو يغنيها لنا صادف لحظتها قرع باب الفصل فذهب ناحيته وفتحه وهو مستمر في الغناء فإذا به المدير الاستاذ صالح الاقطع رحمه الله فلم يرتبك ولم يسكت بل اكمل آخر مقطع وهو ينظر اليه مؤدياً التحية العسكرية ثم توقف وامرنا بالوقوف فابتسم المدير وهو قليل الابتسام لمن يعرف الاستاذ صالح .
في إحدى المرات كان يشرح لنا احوال العدو الصهيوني وكيف انه يقوم دائماً باستفزاز الفلسطينين حتى يقومون بالرد عليه .. ثم توقف سائلاً هل تعرفون معنى كلمة استفزاز؟ فلم يجب أحد .. فأخد يفكر في مرادف لها ولكنه لم يجد فقال هناك كلمة في لهجتكم بنفس المعنى ولكنني نسيتها اعتقد فيها حرف الشين والباء واخد يتذكر فرن جرس الاستراحة فسمح لنا بالخروج وبقى واقفاً يفكر فاستوقف آخر ثلاثة طلبة وكنت انا احدهم فسألنا مَن مِن بين زملائكم الطلبة له مزاج صعب ولا يطيق الهزار وله ردة فعل سريعة اذا ما اغضبه أحد ؟ فقلنا له بلا تردد انه عبدالحكيم يا استاذ فعرفه وأشار لاحدنا وقال أعتقد انك تجلس خلفه صحيح ؟ فاجابه بنعم فقال له عندما تبدأ الحصة القادمة بعد الاستراحة أريدك ان تعبث برأسه او بأذنه من الخلف عدة مرات عندما استدير انا الى السبورة.
فاجابه سوف يضربني يا استاذ فقال له لن ادعه يضربك ثق بي .
بدأت الحصة وفعل الطالب ما قاله له الاستاذ عدنان تماماً بل زاد من عنده وعندما تأكد الاستاذ عدنان من اتمام المهمة تظاهر بالخروج وعاد بسرعة فوجد عبدالحكيم يكاد أن ينقض على زميله خلفه شاهراً قبضته فصاح به ماذا تفعل يا عبد الحكيم ؟ فارتبك ورد عليه :
ياستاذ هو من مبكري “يناشب” فيا
فصاح الاستاذ “ينااااشب” هذه هي الكلمة التي ابحث عنها والتي تعني استفزاز
ثم شرح لكل الفصل الخطة التي وضعها لعبدالحكيم. فضحكنا جميعنا ونحن معجبون جدا بذكاء استاذنا رحمه الله ان كان من الميتين واطال في عمره ان كان حياً يرزق.
عادل بن موسى – ليبيا