المختار يُعدم من جديد – محمد المسلاتي – ليبيا

• المختار يُعدم من جديد/ قصّة قصيرة

بقلم / محمد المسلاتي -ليبيا

مثل ظل عبر الشيخ عمر المختار شوارع المدينة، وميادينها، جرّ قدميه المثقلتين متنقلًا بين ركام البيوت، والجدران المنهارة، وأكداس القمامة، والجثث المنتشرة، شعر بوجع يخضّ قلبه، دمعت عيناه، تألم في صمت، تفادى رصاصة طائشة، تساءل ما الذي يحدث؟ ربما أخطأ في المكان! حاول أن يتفحص ماحوله ، حرائق، ضباب، لا أطفال، لا أشجار، لا عصافير ، قال لنفسه :-

– بعد كل هذه الفترة ألم يتحرر الوطن؟ أو أن الإيطاليين عادوا مرة أخرى!

كادت رصاصة قنّاص تصيبه لولا انحناءة ظهره، بحث عن ممر آمن ، فجأة أحاط به عدد من الرجال، ارتفعت أصواتهم تأمره بالتوقف، تذكر يوم اعتقاله ، أراد أن يتبيّن ملامحهم ، لم يتمكن ، كان يرتديهم السواد ، الوجوه أقنعة ، عيون فقط ترمقه بشرر نهم ، قال لهم :-

– أنا عمر المختار.

ضحك قناع وقال :-

_ نعم أعرفك جيدًا .

قال آخر:_

_ جئت في زمن ليس زمانك .

عاد القناع الأول يقول :-

_ تقرر إعدامك اليوم ، ألم تقل ( ننتصر أو نموت ) لن نمكنكم من النصر، بل من الموت

قال المختار :-

_ الموت أحيانا يكون نصرًا .

صمت عمر المختار ، قال القناع الأول :-

– كان إعدامك في منطقة سلوق الصغيرة متواضعًا . نريد إعدامًا يشاهده، ويشعر به جميع الليبين . ويراه العالم بأسره ، تتناقله جميع القنوات، ووسائل الإعلام، قال المختار : –

– إن المرء يموت مرة واحدة.

– لكنك ماتزال حيًا .

ابتسم عمر المختار، وهمس :-

_ أنهكتني السنون، لا خوف مني، وأنا أعزل من السلاح.

_ لكنك عمر المختار ، وهذا يكفي .

تساءل عمر المختار :-

_ أين جوادي؟

_ باعوه في المزاد .

_ بندقيتي؟

_ صادروها .

_ نظارتي الطبية !

_ اختفت ، لا أحد يعلم أين ، أو كيف ؟

تمتم عمر المختار بأسى :-

_ لو كانت معي ، ربما تمكنت من رؤية ملامحكم .

قال القناع :-

_ ليس مهمًا أن ترانا ، نحن نراك بوضوح .

قال الشيخ عمر المختار :_

_ أين رفاقي من المجاهدين ، أولئك الشرفاء ؟

_ لم يتبق منهم أحد، لن نطيل الحديث، إعدامك سيتم اليوم، جهزّنا كل شيء.

نفث عمر المختار آهة عميقة من صدره:-

_ اليوم ، إعدام آخر !!

_ إعدامك الأول تحملت وزره إيطاليا وحدها ، لكن اليوم لها شركاء كثر.

اقترب أحدهم من عمر المختار ، وسأله عما إذا كان يرغب في أي شيء قبل إعدامه؟

قال عمر المختار وهو ينظر نحو البعيد:-

_ صورة وجهي انزعوهاعن أوراق نقودكم المتداولة ، لا أطيق أن تتلوث ملامحي بأصابع اللصوص ، وأثرياء الموت ، والمأجورين ، ووزراء الحكومات الموسمية ، والغانيات ، والمهرجين من ساسة القنوات التلفزيونية ، والفيسبوك، وتجار الكلام، والمحتالين، والسماسرة، لا أحتمل أن تدعس أياديهم القذرة صورتي المطبوعة على رزم الأوراق المالية التى يجمعونها بشراهة.

. في اليوم نفسه أُعدم عمر المختار للمرة الثانية ، سرت آلامه في أوصال الجميع، نزفت قلوبهم دماء جراحاته ، ارتعشت أجسادهم رعشة إعدامه ، عند المساء اختفت ملامح وجهه المتوهج بلحيته البيضاء من كل أوراق العملة ، وأمست مجرد أوراق عادية متداولة ، آنذاك ساد الفقر .. وعمّ الجوع أرجاء البلاد .

#محمد_المسلاتي

اترك رد

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s