السقوط إلى الأعلى – ليلى المصراتي – ليبيا

السقــوط إلى الأعــلى ,,

ها أنا أسقط ,

نعم ، ومن علو 7 طوابق حيث أسكن ,

كم هى طويلة الطريق , كنت أظن اننى لن أطير ,

لكننى فعلا أطير , لأول مرة فى حياتى أحس بشعور الطيران , إنها الحرية , وأخيرا .

لماذا أسقط ؟ أو بالأحرى لماذا أطير ؟

سؤال أسمعه فى داخلكم الآن , سأجيبكم قبل أن أصل إلى الأسفل .

الأسفل ! وهل كنت الا فى الأسفل دائما ,

أنا فى حالة إرتقاء الآن ــ والآن فقط ــ إلى الأعلى .

أنا الطفلة التي لم تتعرف إلى معنى الطفولة , تلك التي وُلدت كبيرة , فلم أكن أسمع الا جملة

” تحسابى روحك صغيرة ” ,

الطفلة المسؤولة عن كل كبيرة وصغيرة ,

إن بكى أحد أخوتى فأين أنا ؟ وإن ضاع شئ فأين أنا ؟ وإن جاء زائر فأين أنا ؟ وإن مرض أحدهم فأين أنا ؟

أنا الكبرى فلابد أن أرتدى ثيابا أكبر من حجم جسمى , وعقلى .

كبرت قبل أن أفهم معنى أن أكون صغيرة ,

قبل أن أتعرف على ملامح جسدى لأنه من العيب أن أسأل فأنا كبيرة ,

قبل أن أجيد فن الكلام لأنه يجب ألا اتلعثم فأنا كبيرة ,

قبل أن أخطئ وأصيب فيجب ألا أخطئ لأنى كبيرة

مراهقتى , وما المراهقة الا أخطاء صغيرة نقع فيها لنتلمس ملامح الدروب الصحيحة ونسير فيها دون أخطار تُذكر .

لم أعشها , إنتقلت من مرحلة الفطام إلى مرحلة الشباب مباشرة ,

فطاما لم أتذوق فيه طعم حليب الثدى , لأن أمى كانت صغيرة كبيرة ” مثلى تماما ” لم تُجيد إرضاعى , ففطمتنى .

مرحلة الفطام كانت فقط مسمى لتجهيزى لمرحلة الشباب , وكانت النتيجة بلوغا كاذبا قبل البلوغ وشبابا زائفا قبل الشباب .

دراستى لم أُكملها ” البنت ليها الراجل والكوجينة وياسرها ” .

لم أهتم كثيرا بالأمر , فلا وقت لدى وورائى مهام جليلة فى البيت تغنينى عن الدراسة ومتاعبها .

” بوك أعطاك ” جملة طرقت طبلة أذنى , وقفت قليلا لأفهم معناها ثم إنصرفت لأكمل واجباتى تجاه أخوتى ,

لم أفكر فيها لأننى لم أعتد التفكير طويلا فى قراراتهم , أنفذ فقط , هذا ماتعلمته .

وجدت كل شئ جاهزا لحفلة تأبينى , آآه أقصد حفلة فرحهم بى كعروس ,

جهزوا كل شئ إلا أنا , لم يجهزنى أحد لأكون ” زوجة ” فأنا كبيرة , ويجب أن أعرف كل شئ عن كل شئ .

مددت جسدى لمن أزالت شعرا غير مرغوب فيه ولوضع أصباغا يرغبون فيها .

ألبسونى ثوبا يشبه الكفن لونا ومعنى , وأصدروا أصواتا غريبة منتشيين بها ,

هى أصوات لامعنى لها ولا فرق بينها وبين العويل , يقولون إنها زغاريد .

أصواتا كتلك التي يطلقونها على تابوت الشهيد , ولا فرق ,

فقد كنت الشهيدة .

شهيدة مجتمع إعتبرنى مجرد لعبة لأحدهم يتلهى بها وعندما يسأمها يرميها لمن يكمل اللعب حتى يتم إستهلاكها كليا , ليأتوا بغيرها .

نعم , فى بيته كنت لعبة صغيرة جميلة يلهو بها ليلا وينبذها نهارا , لتقوم بكل تلك الواجبات التي قامت بها منذ كانت كبيرة .

عشت نفس الحياة تقريبا مع الفارق الليلى , عائلته الكبيرة التي تسكن قريبا منى ومن الصباح حتى المساء معهم أرعى مريضهم وأطعم جائعهم وأستقبل ضيفهم , بصمت وخشوع أتقنته وتفننت فيه .

الفارق الوحيد بين هنا وهناك أننى أنجبت , كزوجة كبيرة يجب أن أحمل وأنجب قبل مرور السنة والا ,

يالهول ماسيحدث .

طفلتان توأمتان جاءتا من بذرة زُرعت داخلى غصبا عنى , لم أحبهما ولم أكرههما

ولم أرضعهما , فأنا كأمى لا أُجيد فن الإرضاع .

وجلست طويلا أمامهما متساءلة , من منكما الكبرى ؟

أتيتما توأمتان لتحملا هذا اللقب مناصفة , حظكما أفضل منى .

أه لم أخبركم , بعد عملية الولادة قيل لى أنه حدث تمزق فى رحمى ولن أُنجب مرة أخرى , رحمى صغير جدا ليكون كافيا لحمل توأمين , فإحتج وتمزق .

لم أهتم , لكنه غضب جدا وتحول غضبه إلى جنون بالتدريج ,

” إنتى معاش إتجيبى ” جملة كررها على مسامعى كلما رآنى وأنا أنظر إليه كالبلهاء , وليكن وماذا بعد ؟

مابعد , أنه تزوج لينجب ولدا , وليكن وماذا بعد ؟

مابعد , أنه هجرنى ولم يعد يتذكرنى ولا إبنتيه , ليكن , وماذا بعد ؟

أصرت زوجته ألا يكون فى حياتها ضرة , وليكن وماذا بعد ؟

مابعد , طلقنى , وليكن , وماذا بعد ؟

” إنتى صغيرة باش تقعدى بروحك فى الحوش ” !!!!

صغيرة ! وأخيرا أصبحت صغيرة , وأخيرا سمعت هذه الكلمة الجميلة ,

أخيرا أنا صغيرة بعد أن كنت كبيرة , ولكن , ماذا بعد ؟

” قاعدة صغيرة ــ مصرين ــ تعطيه بناويته وتولى لحوش بوك وتتزوجى ,

سيورك تلقى راجل عقيم والا هجال وعنده صغار تربيهم معاه , امشيتى بروحك تروحى بروحك , ماعندناش بنات يقعدو هججل على فروخ الناس ”

لم أستوعب تلك الكلمات الا عندما سمعت طرقا على الباب , وأنا جالسة وسطهم أضم بناتى إلى صدرى , ودخل هو ,

كم كان متوحشا وهو ينتزعهم منى بقوة وكم كانو قساة وهم يشدوننى منهم بقوة وكم أنا ضعيفة بينهم !

لم أصرخ ولم أنتحب , بل ولم أتكلم ,

هل سأعود إليهم لأكون كبيرة مرة أخرى ولأمدد جسمى لإزالة الشعر ووضع الأصباغ مرة أخرى , ولأرتدى الكفن وأسمع العويل مرة أخرى , هل سأتحمل كل ذلك مرة أخرى !!

ألتفتت إلى الشباك المفتوح خلفى , وقفزت ,

وقبل أن أصل إلى الأعلى سأخبركم شيئا نسيت أن أخبركم إياه ,

عمرى الآن 16 سنة وعمره 35 سنة , ومتزوجة منذ سنتين ,

ألست صغيرة ! كرروها لأسمعها , إنها تسعدنى يا من تتلهون باللعب بنا .

وها قد وصلت , سلاما لروحى .

…………………………………….

وفى اول كتاباتى واحدى قصص مجموعتى

” الفارق لحظة ” تقبلوا اطيب تحياتى .. سراب

ليلى المصراتي – ليبيا

اترك رد

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s