* نحيبُ الشيب *
أننسى لحظةً فيها نصابُ ؟
فيفسدُ في فمِ الغرقى الشرابُ
فذاك الشيبُ يغزونا فأمسى
على عجلٍ يعزّينا المصابُ
وهذا العظمُ قد وهنت قواه
فجاءَ الخوفُ واشتدَّ الرهابُ
فإن جاءَ الشتاءُ فقل أتاني
سعالٌ ثم يردفُهُ التهابُ
وقد أضحى بنائي مثلَ صرحٍ
به عمَّ البلى ثم الخرابُ
هي الدنيا فخذ ما شئت منها
ولكن في نهايتها سرابُ
جموحٌ خيلُها لمّا سرجنا
فإن وطئت فلا يبقى ركابُ
أتشتمُ شيبةً سكنت برأسٍ ؟!
فبعد الشيب ينتشرُ السُبابُ
وهذا العُجبُ يملأ صدر صلفٍ
وأمرُ الناسِ في هذا عجابُ
أتحجبُ ما أتاك اللهُ عوناً؟!
سيضربُ بينهُ لغدٍ حجابُ
يقلبُنا المنونُ فلا نبالي
وحينَ البأسِ يرفدُنا انقلابُ
فإن تبلى السرائرُ حين يُجلى
ويظهرُ ما تخفّيهِ الجعابُ
فبعضُ الناسِ يأكلُ كلَّ ذئبٍ
وبعضُ الناسِ تأكلُهُ الذئابُ
وبعضُ الناسِ في البستانِ نحلٌ
وبعضُ الناسِ لو تدري ذبابُ
فجاء الحزنُ وأزدحمت شجونٌ
وجاءَ الليلُ وانمحقَ الشبابُ
فعمرُ المرءِ نصفٌ في تجني
ونصفٌ فيه يُعتَمرُ اليبابُ
ونصفُ النصفِ يقضى في حضورٍ
وباقي الكلِّ يقضمُهُ الغيابُ
كلمحٍ بالعيونِ يغيبُ عمرٌ
يُصيبُ المرءَ سمجٌ وانسكابُ
فلا تغفل فإنّ العمرَ رهنٌ
بما تخطو ليرصدَها الكتابُ
يجوبُ المرءُ في شرقٍ وغربٍ
وإن سألوا فيستعصي الجوابُ
فيركضُ لاهثًا من غيرِ صبرٍ
ليجمعَ ما سيدفنه الترابُ
دع الشيبَ الجديدَ يزورُ رأسًا
فبعد الشيبِ دمعٌ وانتحابُ
ولكنَّ المشيبَ إذا تجلى
ستعلمُ أن موردَهُ حجابُ
ليعصمَ أهلَهُ من كلِّ ذنبٍ
ويرشدهم إذا وِجدَ الثوابُ
فإمّا جنّةٌ وبها نعيمٌ
وإمّا النارُ والأمدُ العذابُ
بقلم سيد حميد من بحر الوافر – العراق
الجمعة / ١٦ / ١٠ / ٢٠٢٠
