الفيتوحة – عبد العزيز الزني – ليبيا

الفيتوحة ..

طمأنته أمه….. بأنها ستنهي معاناته …وتضع حدا لمشكلة ، تكرار رسوبه في الامتحانات ، وتجعله يشارك المتفوقين من زملائه ، لذة النجاح فهو ابنها الوحيد ، مع خمسة إناث لم تلتفت إلى تفوقهن الدراسي الملحوظ …فالبنت عندها وكما هي مقتنعة ضيفة في بيت أهلهل ، عاجلا أو أجلا ستنتقل إلى بيت زوجها ، وينتهي ألأمر…أما معه فالأمر يختلف ..طلبت منه أن يمسح دموعه ، مؤكدة له أنه ومنذ ألان ، لن يكون هناك ومن وراء مادة الحساب هذه اللعينة دموعا ، و ستفارق الأحزان قلبه الصغير ولينطلق بعد أن يغسل وجهه ..ليلعب مع أبناء “الزنقة ” دونما خجل أو تردد وكيفما يشاء .

إلا أن الصغير هذه المرة لم يفعل ، لم يغادر المكان بدا كأنه يجد صعوبة في استيعاب هذا الذي قالته أمه ، رفع بصره إليها…رآها تبتسم له ، وهي تمسح على كتفيه …وتهز رأسها مؤكدة على ما سمعه منها ، ثم أضافت أن الأمر في غاية البساطة وفي متناول يدها , وأنه ما كان عليها أن تغفل عنه طوال هذه المدة ….فهو لا يكلف شيئا . ولحسن الحظ ، لازالت هناك واحدة من بين الدجاجات الصغيرة لم تبيض بعد بيضتها الأولى ..إنها بنية ألون .

اتسع مدى دهشة الصغير , وزادت رغبته في أن يعرف أكثر ، عن علاقة الدجاجة الصغيرة بنية اللون وبيضتها الأولى ، التي لم تبضها بعد , بنجاحه وبمادة الحساب تلك التي لطالما أبكته ، وأصبح لا يطيق حتى ذكر اسمها ويخيفه مرأى معلمها ويقلقه صليل جرس حصتها .

اتسع ابتسام امه ، أجلسته بجانبها ، وقالت له ، لتزيل اللبس والغموض إن أول بيضة يا صغيري ، تبيضها الدجاجة في عمرها القصير ، تسمى عندنا نحن النسوة اللاتي يربين الدجاج ، ” الفيتوحة” . وأنه إذا ما ثُقبت هذه و ابتلع ، ـ متعثرٌ يعاني مثلك مرارة تكرار الرسوب ” محتواها ، تتحقق المعجزة ، و ضمن بإذنه تعالى الــنجاح . و لن يحتاج بعد ذلك ، لدموع تطفئ حرقته ، أو أن يطأطئ بين الزملاء رأسه ، أو أن يختفي ويبتعد عن الأنظار ، إبان اعلان النتائج .

فرح الصغير ، وتهللت أسارير وجهه سرورا ، و جد نفسه يتبادل حضنا بحضن مع امه وقد غابت عيناها ، وراء سحابة ،شفافة من الدموع ، لحظات كان الصغير بعدها بين زملاء ـ الزنقة ـ يعززه شعورٌ بأنه لم يعد كما كان ، هو الأن أكثر اطمئنانا لنفسه ، وأكثر ثقة بها . يصرخ فرحا تارة ، يقفز في الهواء ثانية ، و ثالثة يجري هنا وهناك ، لا ينازعه شيئا فيما يريد أن يفعل .

إلا أنه كان ، وأمام فضوله ، تجاه ما أخبرته به أمه منذ لحظات ، أضعف من أن يستغرقه اللعب ، وينسه حكاية بنية اللون . عاد مسرعا إلى البيت ، إلى حيث يتواجد الدجاج . بدأ يرقبها ، يتعقبها بنظراته ، مخالفا تعاليم والداته الصارمة ، بأن هذا العمل ، قد يكون من شأنه ، اخافتها ، إذا ما انتبهت إليه ، وبالتالي تأخر وضع بيضتها الاولى ، وربما كان سببا في امتناعها عن هذا ، و إلى أجل غير معروف . لكن كيف له التحلي بالصبر و الانتظار ، و هو الذي عانى كثيرا من رعونة مادة الحساب ولزجتها ، التي لطالما سببت له من الإحراج و الضيق حتى الاختناق داخل الفصل ، درجة أنه و هو الصغير فكر ذات مرة ، و بجد ، في الهروب إلى ما خارج أسوار المدرسة ، وحرق كتاب مادة الحساب ، معلنا استعداده امام نفسه وبقوة ، تحمل تبعات هذا العمل ، مقابل أن يتنفس الصعداء بعيدا عن أجواء هذه المادة .

ومضى مع اشراقة كل يوم ، يراقب بنية اللون الساحرة ، صاحبة العينين الدائرتين الواسعتين ، والريش الناعم البراق . إلى أن جاءت اللحظة ، و علا فيها صياحها ، معلنة و باعتزاز ، أنها قد وضعت بيضتها الأولى “الفيتوحة” . انخلع قلب الصغير ، اتسعت حدقتيه ، اسرع إلى حيث أبصر الدجاجة ، وقد خرجت لتوها من “البرميل” الذي كانت أمه قد خصصته لهذا الغرض . أمعن النظر ، بدت له كأنها و قد أحست بنظراته المعجبة المرسلة صوبها ، تخطو بكل ثقة بين باقي الدجاج ، مستمرة في إعلانها وبصوت حاد ، أنها قد نجت و بكل توفيق في فعلها الأول . لم يتردد لحظة ، اندفع و بكل قوة ، التقط “الفيتوحة” بسرعة ، وبسرعة انطلق ، يعدو صوب امه ، ليزف اليها الخبر المعجزة ، الا أنه وقع مالم يكون في الحسبان ، و لم يتخيل أبدا ، تسقط البيضة من بين يديه ، ويتبدد بياضها وصفارها على التراب .

وقف في مكانه كتمثال ، توقف فيه كل شيء ، سوى احساسه بالخوف و خيبة الأمل ، ماذا يفعل ؟ ما الذي يستطيعه هو الصغير اللحظة ؟ قرر عدم اخبار امه . غادر البيت ، عاد إلى زملائه “مكسور الخاطر” ، حاول عبثا أن يزيل عن رأسه ، ذات اللون البني ، ونسيان أمر “الفيتوحة” .

في اليوم التالي وعندما كان بين زملائه ، معتقدا انتزاع نفسه من أحداث اليوم السابق ، و أن لا شيء يربطه بها ، تناهى إلى سمعه وفجأة ، و في ذات الموعد ، صياح بنية اللون ، تسارعت دقات قلبه ، أحس و كأن أحشائه تُعتصر ، شخص ببصره بعيدا ، لحظات انتبه لندا أمه ، كان عاليا مملوءً بالبشر ، أن أحضر حالا ، اختلط الأمر عليه ، و بشكل لم يعرفه من قبل ، الا أنه قدر ، أن عليه و بمفرده ، مواجهة الأمر ، وقف أمامها خائفا وجلا ، لكنه رأى عجبا ، أمه وبيدها بيضة ، تقول له منشرحة ، ها هي “الفيتوحة” ، التي ستنهي كل متاعبك مع تلك المادة اللعينة . وفي الحال ، قامت بكل عناية و اقتدار بأحداث ثقب بها ، و طلبت منه أن يبتلع محتواها صفارا وبياضا ، وقبل أن يفعل ابتلع ريقه ، ثم أتبعه بصفار البيضة وبياضها ، وهو على يقين ، أن مسلسل رسوبه بمادة الحساب ، لن ينتهي ، فهو وحده دون أمه يعـــرف الحقيقــــة .

انتهــــــت

عبد العزيز الزني – ليبيا

اترك رد

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s