حقيبة الأحزان ..
جمعت كتل الآلام ولملمت أطراف الأوجاع، رصّفتهم متجاورين. رتبت حزمة الذكريات حسب تاريخها الزمني. اقتلعت جذور الحنين و أواصل الأنين. قطعت كل آثار الماضي القابعة في أرشيف الأطلال. التقطت رواسب البارحة المتناثرة هنا و هناك. وضعتهم بعناية فائقة في حقيبة محكمة الغلق و تأكّدت جيّدا من خلوّ روحها من أية فتات له صلة بما فات. تحققت من فراغ كيانها من أية ذرّة تعيدها لزمن مات.
توجّهت لأقرب محطّة للأحزان. استقلت اوّل قطار نسيان اعترضها. اتخذت أكثر مقعد مجاور للباب و كأنها تتلهّف للنزول. وصل القطار لآخر محطاته. نزلت منه و التردّد يملأها:
-“هل أكتفي بهذا القدر من المسافة أم أمتطي غيره ليأخذني لأبعد من هذا المكان؟!”
لكن لم يكن لديها وقت كافي! فهي على استعجال لبلوغ لحظة التخلّي و الخلاص من ثقل الماضي بأتعابه و خيباته..
مشت طويلا، جاهدت لتدرك القفار رغم ثقل ما تحمله في يداها.
وصلت حيث دقّ قلبها هاتفا بباطنها:
-هنا!”
تسمّرت في مكانها برهة، وقفت شاخصة. ثم جالت نظراتها أركان مقبرة ماضيها. ركنت ببطء حقيبتها على الأرض في زاوية.. صرخت بعنف و ألقت كل ما يعجّ في صدرها من كمد.. استدارت و الإنكسار يقوّس ظهرها. ترجّلت مسرعة الخطى و لم تلتفت أبدا.. هربت من ذلك الحطام بينما الإنهيار يُفتت وجدانها.
ظنت أنها تخلّصت من عبء حياتها!
خولة السايبي – تونس
