الوحـــــــم – عبدالعزيز الزني – ليبيا

الوحـــــــم .. قصة قصيرة

بقلم: عبدالعزيز الزني – ليبيا

كانت رائحة السمك ، الذي بدأت أمه ، قبل قليل عملية قليه ، قد ملأت الأجواء ، و اشتمها هو في الحال ، نفض يديه من لعبه و انطلق إلى هناك .

أطربه المشهد ، استغراق أمه بالكامل في عملها ، قطع السمك المتبلة على مقربة منها ، بعضٌ من أوانٍ حولها ، بخار مشبعٌ بالزيوت و رائحة السمك ، يتصاعد إلى أعلا ، ما أن لمحته أمه ، في وقفته تلك ، تبادلت معه الابتسام ، فهي تعرف شدة و لَعه بوجبة السمك المقلي ، لابد أنه ورث هذا عنها . ما أن اقترب عاجلته ، أن ” النفيسات خوات ” و عليه أن يلوذ بالصبر حتى موعد الغِذاء . ثم أنه لم ينضج منه شيئاً بعد . عاد الصغير مكرهاً إلى لُعبه ، مقتنعا بالرائحة ، و جريان اللعاب بين شد قيه . بعد فترة ، سمع والدته تناديه ، أسرع إليها ، قدمت له صحناً صغيراً ، به قطعتين من السمك ، طلبت منه أن يسرع به إلى جارتهم الحاجة مبروكة ،، فابنتها عزيزة في زيارة لهم هذا اليوم ،و هي حامل بجنينها الأول ، في شهورها الأولى .

وفهم من أمه ، أنه ما أن اشتمت عزيزة رائحة السمك ، تاقت نفسها إليه و اشتهته ، و لأنها ما تزال في فترة الوحم ، و هي مرحلة جدٌ خطيرة ، ليس من بدِ أن تتذوقه ، لتنجو من تأثيرات الوحم الخطيرة ، و إلا قد تصاب أو جنينها أو الاثنين معاً بمكروه ، لا قدر الله .ما دفع والدة عزيزة ، أن تسأل أمه قطعة من السمك ، لإبطال مفعول الوحم .

انطلق الصغير ، مسرعاً و عيناه على القطعتين داخل الصحن لا تفارقهما لحظة ، عند عتبة باب بيتهم توقف ، لكن لعابه لا يتوقف ، و رائحة السمك تأسره ، تأكد أن لا أحد يرقبه ، جلس .. كان متوتراً ، إلا أنه لم يتردد ، التهم القطعتين بسرعة فائقة . استمتع أيما استمتاع ، رائحة السمك المقلي بالنسبة له ، و مذاقه لا يقاومهما إلا مخبول فاقدٌ لعقله ، و لطالما تمنى هو الصغير لو أن جميع الوجبات تصير سمكاً مقلياً ، لكن هيهات . عاد إلى أمه منتشياً ، سلم لها الصحن فارغاً ، و أخبرها أن العمة مبروكة و ابنتها عزيزة حملانه إليها كثير السلام .

دعت له أمه و هي تبتسم بطول العمر ، و قدمت له كمكافئة قطعة من السمك . خالجه في التو شعور أربكه كثيراً ، افتعل الابتسام ، لزم الصمت . عاد إلى مكانه ، و عادت الأم إلى عملها .. عم قريب سيحين موعد الغذاء .

مرت تلك الأحداث ، و مرت شهور عدة . ذات يوم حين ضُحى ، انطلقت الأم مسرعة ، و أمرت الصغير بالمكوث مع شقيقاته ، و عدم مغادرة البيت البتة ، حتى عودتها ، فعزيزة ابنة الجيران ، قد فارقت الحياة و جنينها ، أثناء عملية الوضع ، داهمت الصغير حينها ، و ما أن غادرت والدته موجة من الهلع ، تصبب عرقاً ، تيبست منه المفاصل ، عصفت به حزمة من التساؤلات . الوحم .. الصحن و قطعتي السمك .. الاشتهاء و توق النفس .. الرائحة التي لا تقاوم .. جريان اللعاب بين الشدقين .. دعوات أمه بطول العمر . مذهولا كان ، بالكاد استطاع الجلوس ، انكمش حول نفسه . لا يدري الآن ، هو الصغير ابن التسعة أعوام مـاذا عليه أن يفعل ؟

…………………………………………………………………

عبد العزيز الزني 15\ مارس \2017 م ..درنــــــة/ ليبيا

اترك رد

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s