سلمى ” قصة متسلسلة من ثلاثة اجزاء” – بقلم: امجاور اغريبيل – ليبيا
الجزء اﻷول ..
بخطوات مرتبكة ووجلة كانت تخطو اولى خطواتها داخل الحرم الجامعي , اجتازت المدخل الرئيسي متتجهة إلى الممر المؤدي الي قاعات المحاضرات , كانت تلتفت يمينا ويسارا وإلى خلفها وتتفحص المكان والناس والأشياء بحثا عن وجه تعرفه لعله يبعد عنها وحشة المكان … هذه هي الجامعة اذا …طالما تمنيت أن اكون هنا , طفقت تحدث نفسها ومشاعر من الفرح والخوف والأعجاب كانت تتملكها , لم تنتبه إلا وجسم غريب قد اصطدم بها , غيمة من عطر ذكوري نفاذ ظللتها .
– أعتذر منك سيدي لم انتبه لوجودك فهذه المرة الأولي التي اتواجد بها في هذا المكان لعلك ستجد العذر لي .
كان رجلا وسيما انيقا يزين وجه بشارب ولحية خفيفة , لا عليك يحدث هذا دائما مع الوافدين الجدد , قال لها ذلك وفي جرأة لم تعهدها من قبل مد يده الي جدول المحاضرات فيما كانت هي منهمكة في جمع كراساتها التي تبعثرت بعد اصطدامها به
– تخصص لغة عربيه , هذا يعني اننا سوف نلتقي مجددا لن يكون هذا اخر اصطدام بيننا قال ذلك وهو يرسم بسمة لاتخلو من الخبث علي شفتيه , واصلت سلمى مسيرها بحثا عن قاعة المحاضرات وفي طريقها وجدت زميلات الدراسة فأحست بالراحة والهدؤ وذهب عنها ما كانت تشعر به من رهبة المكان .
بطرقات خفيفة كانما هي تستكشف ما يوجد خلف الباب رقم 7 , طرقت سلمي علي باب قاعة المحاضرات المغلق , كان الخجل والحياء يربكها , لم ترفع وجها لترى من الذي فتح لها الباب ودعاها لاخذ مكانها بسرعه بين زميلاتها , لكن عطره الذكوري النفاذ الذي كان يسبقه اينما حل أنبأها عن شخصيته وجعلها تتعرف عليه دون ان ترفع راسها.
جلست سلمى إلى جانب صديقاتها في الصف الأمامي لمدرج المحاضرات بالقاعة رقم 7, كانت تحت تأثير العطر الذكوري النفاذ الذي امتلأت به رئتيها وانتشى بها,كل جسدها , لم تجرؤ على رفع عينيها وتظاهرت بأنها مشغولة باستخراج مذكرتها وقلمها , فتحت الصفحة الأولى وكتب التاريخ 22/06/2002 المادة تاريخ الحضارة الإسلامية … وقبل ان تنتهي سلمى من الكتابة كان المحاضر قد اقترب منها حتى تكاد تشعر بحرارة انفاسه ونبضات قلبه وبادرها علي الفور لا تنسي ان تكتبي اسم المحاضر ….ابراهيم محمود , ساصطدم بك كل خميس , اقصد سنلتقي هنا كل خميس , ألست انت من التقيت بها قبل قليل في الممر ؟ نعم نعم انا هي يا أستاذ ردت سلمي في ارتباك وخجل… اهم شئ عندي الحضور في الموعد المحدد والإيجابيه في المحاضرة والنجاح في الأختبارات التي سـأجريها لكم بصورة مفاجأة .
لنعود الي موضوع محاضرتنا ماذا كنت اقول ؟ ساد الصمت … سأقول اناااااا كنت اتحدث عن الحضارة وشبهتها بالكائن الحي الذي يولد ويكبر ويشتد عوده ثم يشيخ ويموت وهذا ما حدث للحضارة الإسلامية وهو ماحدث للحضارات التي سبقتها ولكن هل هذا التعريف يمكن تعميمه على الحضارة المعاصرة , هذا ما سنناقشه ولكن قبل ذلك أحب أن اسأل من منكم قرأ كتاب نهاية التاريخ وكتاب صرااع الحضارات …. لاأحد , لا أظن ان احد منكم قد قرأ أي من الكتابين …
الكتاب الأول كتبه فوكو ياما والثاني صمويل هنتنجتون اجابت سلمي , مالذي يجعلك هكذا متاكد من أننا لم نقرأ الكتابين …..؟ هذا جيد اجاب الأستاذ كنت أظن ان القرأة سلوك هجره الليبيون والعرب… عموما , يبدو ان امة اقرأ بدأت تقرأ….. وضحك الجميع فيما غرقت سلمى في صمتها … وواصل الأستاذ حديثه الذي بدأه عن الحضارة .
لم تتوقف رسائله التي كان يرسلها لها للفت نظرها وكسب اهتمامها , كأن لا يبدأ المحاضرة الا بعد حضورها ويبدي اهتماما بأسئلتها وملاحظاتها التي كثيرا ما كانت تطرحها عليه , كان يميزها بنظراته التي يرمقها بهــــــا وكثيرا ما كان يدعوها لمساعدته في تنظيم أوراقه سوا في مكتبه أو في القاعة أثناء فترة الاستراحة .
صارت سلمي تتعمد الحضور متأخرة بخمسة او عشرة دقائق وكان هــذا يروق للأستاذ الذي يقوم بنفسه بفتح الباب وتبادل النظرات والابتسامات معها , لقد نمت بيهم لغة خاصة لا يفهمها احد سواهما ,لغة لا تفصح عن نفسها , لغــة صنعتها الظروف والتقاليد التي تحرم نشؤ مثل هذه العلاقات حتى ولو كانت علاقة بريئة بين قلبين .
هل حضر الجميع ؟…لا تتأخري يا سلمي قالها الأستاذ وهو يلوح بأصبع سبابته نحو سلمي ….!!!! لقد فهمها الجميع علي انه توبيخ لها…سلمى وحددها فهمتها علي نحو مغاير …. لقد كان لوم لها وعتاب على ما فعلته اخر مرة عندما كانت تساعده في تنظيم أوراقه , لقد رفضت ان تسمع ما كان يقوله لها من كلام الغزل وغادرت المكتب رغم كل محاولاته لمنعها من ذلك .
سلمي فتاة خجولة جــدا , تربت في اسرة محافظة مكونة من اربع بنات تزوجن كلهن وأخ قاسي , كان يرى أن مكان المرأة الطبيعي هو البيت وتربية الأولاد , ولولا وقوف والــدها ومساندته لها ما سمح لـــها بدخول الجامعة , كان الحياء يغلبها ولا تستطيع أمام أطراء الأستاذ وغزله بها إلا أن تلوذ بالصمت , كان يجد فرصته في الأوقات التي يكونان فيها بمفردهما , فلا ينسى بعد ان يشكرها علي مساعدته له وبعد ان يثني على ذكائها وفطنتها , لا ينسى ان يبدي إعجابه بأناقتها ….وبراءتها وخجلها الذان يزيدانها جمالا وفتنة , كان في كل مرة يقترب منها اكثر واكثر وكانت هي تجد في محاولاته تلك اكبر دليل على أنوثتها و تميزها !!!
الخميس كان هو موعد لقائهما الأسبوعي , تجلس سلمى في الصفوف الأولي كما طلب منها الإستاذ بحجة انها من اكثر الطلبة الإيجابيين الذين يثرون المحاضرة بمناقشاتهم , وللحقيقة كانت سلمى متفوقة في دراستها تحصلت على الشهادة الثانوية بتقدير ممتاز تعشق اللغة العربية وأدابها , تتذوق الشعر , وتحفظ بعض من المعلقات , يعجبها البياتي ونزار ومحمد الشلطامي , …. سألها الأستاذ عندما لاحظ اهتمامها بالشعر !!! أي الشعراء الليبيين يعجبك اكثر ؟ على الرقيعي أو علي صدقي عبدالقادر أم شاعر الوطن رفيق المهدوي …؟ لاهذا ولاذاك … !!! شاعري المفضل هو الشلطامي ….محمد الشلطامي يا أستاااااااذ .
لم يعلق الأستاذ ولم يجرؤ على القول أنه لم يسمع به من قبل … لاحظت سلمى ذلك , فقالت على الفور حتى تخرج استاذهاااا من الحرج الذي وقع فيه …. الشلطامي كما تعلم من شعراء التفعيله , عده الصادق النيهوم من بين كبار الشعراء العرب بل وفضله البياتي على محمود درويش , تعرض للإعتقال والسجن , صدرت له عدة دواوين ومن بينها ” تذاكر للجحيم ” و “انشودة الحزن العميق ”
ثم وقفت سلمى تقرأ من الذاكرة :
ربما يمضي علينا الف عام
دونما حقل ودار او ربيع
ربما لا نستطيع في عصور الذل والسخرة
أن نخطو جميعا ذلك السد المنيع….
وبين إعجاب الطلاب وغيرة الطالبات …. قال الإستاذ احسنت سلمي , كان ختامها مسكا ….. نلتقي الخميس القادم .
الجزء الثاني ..
تفنن الأستاذ في إيجاد طرق التودد والتقرب من سلمى , كان قد اعجب بها من اول يوم رأها فيه وزاد هذا الإعجاب بعد ان تعرف عليها عن قرب ولمس ما تتميز به من ذكاء ورقة وبراءة , كان يبعث إليها برسائله عبر إيماءات وإيحاءات تفهمها هي فقط , كان يكتب لها رسائل الحب على ورقة الإجابة , بجوار الدرجة التي تحصلت عليها , في اول رسالة كتبها لها لم يجرؤ على تسليمها الورقة امام الطلاب خوفا من ردة فعلها التي لم يختبرها بعد , طلب منها ان ترافقه الي المكتب لكي يناقشها في إجابتها ….
– أجلسي لكي تساعديني في ترتيب اوراقي …
ألم تقل أنك تريد مناقشتي في إجابتي أستاااااااذ ؟ –
– نعم … ولكن قبل ذلك القي نظرة على ورقتك واقرئي الدرجة التي تحصلتي عليها…. ودفع إليها بالورقة يرمقها بنظرات قلقلة وهو يترقب ردة فعلها.
نهضت سلمى على الفور وهمت بمغادرة المكتب , أمسك بها من يدها , شعرت بحرارة تسري في جسدها , انتفضت مبتعدة عنه … مالذي كتبته يا استاااااذ قالت له …. احبك احبك يا سلمى ألم تفهمي بعد….؟ كان رد الأستاذ على سؤالها الذي رآه ساذجا إلى أبعد حد.!!!
سلمي كانت في الثامنة عشر من عمرها عندما اجبرها اهلها على الزواج من ابن عمها , في عرف القبيلة ابن العم اولى بابنة عمه من الغريب ولهذا تم رفض الإستاذ الجامعي الذي تقدم لخطبتها , المرأة لديهم كقطعان الماشية والمراعي والأبار لا يجب ان يتملكها احد من خارج القبيلة , أنهم يرون أن سر قوة القبيلة يكمن في الإبقاء على أملاكها وما بحوزتها حكرا علي أفرادها يتوارثونها ابن عن أب وجيل عن جيل.
سيقت المسكينة الي بيت زوجها مثلما يساق القربان الي المذبح إرضاء للآلهة وسط دخان البخور وزغاريد النسوة و رائحة الطعام , الجميع جاؤا لكي يفرحوا ويغنوا ويرقصوا ويأكلوا إلا هي ….. لكي يسفك دمها ويقتل حلمها .
كانت اطول ليلة , لم تكن ليلة العمر التي طالما حلمت بها , لامت نفسها كثيرا . لماذا استسلمت لرغبة كهنة القبيلة وسحرتها . لماذا لم تقف ضد إرادة اهلها وعائلتها , لماذا…. لماذا…؟ وهي المراة الجامعية المثقفة لماذا تخلت عن كل ما كانت تؤمن به , لماذا فرطت في حبها الأول لماذا وافقت أن تباع مثل أي قطعة أثاث او ربما مثل أي دابة ؟.
لم يأتي الصباح إلا وقد تمكن منها جلادها لم تنقذها دموعها ولاحزنها , لم يأتي الصباح إلا وقد تم سفك دمها وازهاق روحها وذبحها من الوريد الي الوريد.
الجزء الثالث والأخير ..
دفع بقطعة القماش الملوثة ببقع الدم إلى اخيه الذي كان ينتظر خارج الشقة لكي يحملها إلى اهل العروس ويزف لهم البشرى بخلو شرفهم من الدنس فلا زال الشرف لديهم يحميه ويذود عنه غشاء البكارة , ماذا لو كان للقلوب غشاء بكارة هي الاخرى كم كان الرجال سيفكرون الف مرة قبل ان يقرروا الزواج من فتاة تعلق قلبها بغيرهم .
… كان جسدها المعطر بالمسك والقرنفل المخضب بالحناء المصقول مثل قطعة مرمر كان يتضور جوعا وضماء لرشفة ماء او قطعة حلوى …. أنتظرت ان يبادر , أن يعصر جسدها ويلسعه بالقبل الحارة .. لكنه لم يعرها انتباها تلك الليلة استلقى متجها بوجه الـــي الجهة الأخرى بعيدا عنها , انتظرته طويلا ولسان حالهايقول ماذا حل به؟؟؟ لو كان انسانا ميتا لدبت الحياة فيه من جديد من يستطيع ان يتجاهل هذا الجمال؟؟؟….. نامت تحت وطأة التعب والأرهاق لتنهض في الصباح وقد ايقنت بانها لم تفقد حبيبا فقط بل فقدت كل شي