العودة

قصة قصيرة

وقف القطار على رصيف تلك المحطة المكتظة وقتا طويلا …..كانت تعج بالمسافرين المتلهفين للرحلة…والقادمين التواقين للعودة والمنتظرين لموعد رحلاتهم في توجس وريبة………ورغم ان.جميع رواده قد جلسوا في مقاعدهم منتظرين ان يبدأ رحلته الا انه لم يتحرك من مكانه لأنه اتى خصيصا من اجلها ….رآها جالسة على احد مقاعد الإنتظار في المحطة …ذابلة الوجه….شاحبة …..ماهذه النظرة في عينيها؟…. كأن قبائل من الحزن استعمرتها و افزعت كل ضواحيها…… …….تغيرت كثيرا عن تلك الفتاة التي استقلته ذات يوم للوصول الى هنا…..كانت جميلة كالزهرة عند تفتحها……عيونها تنبض بالحياة وان كانت خجولة في كل تصرفاتها……..لا ترفع عينيها ولا صوتها خفرا وحياء

هاله انطفاءها وآلمه فيض الأسى الذي سال من ملامحها وتبدد على جسدها المرتجف …واعترته الشفقة والرأفة بها

لن يذهب بدونها….سيظل رابضا هنا الى ان تأتي…..فكما اوصلها …سيعود بها من حيث اتت….لن يطمئن الا عندما يضعها هناك…لكنها لم تتحرك حتى الان من مكانها…وهو يعرف جيدا انها في مفترق التردد والخوف…..التردد في اتخاذ قرار بالرحيل……والخوف من البقاء و اعادة نفس المشهد وتوقعها الساذج لنتائج اخرى في كل مرة رغم انها لم تغير المعطيات

كانت تحلم بالحب الكبير الذي طالما قرأت عنه في الروايات الشهيرة….ورأته في تلك الافلام العالمية الرائعة وتغنت به ورددته في هيام مع ام كلثوم ووردة والعندليب… …….لكنها لم تجده رغم كل ما قدمت من اجله…..وربما وجدته الا ان الرغبات دحرته وطاردته حتى اوصلته على تخوم التخلي…..

لقد ازالت كل الفواصل….ومحت كل الخطوط الحمراء

وهبته كل شئ…..بلا حدود…..بلا حواجز

وادركت متأخرة ان كثرة العطاء مثل كثرة الاخذ….لا تولد الا الصدود والهجران….كثرة العطاء تبلد مشاعر من حولنا وتوقعهم في جنون الصلف والغرور

اسرفت فجحد.

ها هي تقف اخيرا…

….تنفس الصعداء عندما رآها تلملم بقاياها المهترئة وتتجه نحوه….وعندما وضعت قدميها في رحابه….اطلق صفارته معلنا بدء رحلة العودة… العودة من ذلك الكهف المظلم الذي تاه فيه كيانها و نست فيه من تكون؟….. العودة الى نفسها القديمة.

أسماء القرقني – ليبيا

2020/6/11