زهرة الرمان – جلنار أحمد – ليبيا

زهرة الرمان

١

…جلنار…تلك الفتاة الريفية الساذجة، محمرة الوجنتين كرمانة!!! ذات الفستان الأحمر المنفوش القصير، تصدق كل مايقال، بل إنها تصدق حتى مالم يقل لها!.

رجل خمسيني أنيق وجميل وأظنه ذكيا أيضا، نظراته تتجه إلى الماوراء، كرة امتلكها هداف ماهر لا يخطئ الهدف أبدا، إنها تصيب كل شيء فترديه هالكا، ما بالك بقلبها الطري الهش؟! اخترقت الفستان تلك النظرة الجامحة لم يكن أمامها ساتر لتختبئ خلفه من صدق تلك الأسهم وإصرارها من خلفها غابات الرمان، وذاك الملاك الصامت من أمامها لم يقل شيئا ولكنه أخبرها الكثير، لمحت في الأسارير الناجمة عن ابتسامته أنهار الخلود.

حاولت رسمه مرات عدة… وفي هذا الصباح كانت مفعمة بالحيوية ثبتت لوحتها جيدا وأخذت الريشة والألوان تشكل حولها حلقة لولبية، كان جالسا هناك تحت الكرمة يتأملها في صمت، استغلت ثباته وأخذت تشكل ملامحه بدت غامضة أولا ولكنها اتضحت شيئا فشيئا، صرخت جلنار:

– أوووه ياربيييي مالذي جرى لقد عادت الملامح إلى غموضها السابق

كان فستانها مضحكا من كثرة الألوان الملطخة… يداها أنفها شفتاها وجبينها، بدت ضجرة حطمت اللوحة ورمت الألوان وجلست على الكرسي، رفعت بصرها لتجده يموت من الضحك شماتة بها…حدثها في صمت كعادته والسخرية تملأ عينيه:

– أولم أخبرك… لم يجرؤ أحد على رسمي ولن يحدث هذا

– أوتتحدى جلنار أترى بأنها أحد ما؟!

لم تفقد الأمل برسمه فخطرت ببالها فكرة جهنمية سأرسمه بقلبي، تزامن حدوث الفعل مع النطق به وارتسم بقلبها واضح الملامح، ومايلفت الانتباه أنه بدى مبتسما انسحبت شفتاه إلى الأعلى ظهرت أسارير بزوايا العينين…إنها الابتسامة من القلب إلى القلب.

تساءلت جلنار:

-لم يصمت كل هذه المدة ترى هل يستطيع الكلام؟!

سأقترب منه لأرى…

لالا لا ربما فعل معي مالم يتمكن من قوله…

لن أفكر بهذا الأمر ثانية سأظل بعيدة جمال العصفور في رؤيته محلقا لابإمساكه… سأحلم بي محلقة أسابقه.

أحبت جلنار أشجار الرمان واحتضنتها، أن كانت السبب في لقائها بروحها، بالحياة التي لم تكن تؤمن بوجودها، حتى انتشلتها من الرفات وبثت فيها الروح… كانت مزيجا من فاكهة الشتاء والصيف، جسم كمثري برائحة الفراولة وطعم المانجا وطراوة الموز وشعر استرسل على كل ذلك رابتا على ظهرها لقد كان يعطي عراجين الثمر من صفرته الباذخة…

٢

نجمتان هبطتا على عجل لتستقرا أقراطا بأذنيها وتنتشيا لملامسة جيدها… وعقد من الرمان تناثرت حباته على صدرها دون أن تنتظم في خيط رابط… ترى كيف لم تستجب تلك الحبات للجاذبية وبقيت معلقة كيف؟! يبدو أن جاذبية أقوى في الأعلى منه في الأسفل!

كان يعشق الفواكه، لم يخبرها بذلك ولكنها اكتشفت الأمر بنفسها.

– ياله من اكتشاف ذكي! ومن لا يعرف ذلك أيتها الغبية

قالت شجرة الرمان الأم.

لقد كان لها رأيا آخر، اعتادت العيش هنا وهي تعرف ما يدور منذ أمد

– أما آن لك أن تفيقي؟

جلنار… لن أصبر عليك أكثر لقد كبرت يا بنتي وعليك أن تميزي بين الأشياء، ليس كل شيء هو ذاته، الصدق يحمل في جنباته أطنانا من الكذب… والحب كتلة من العذابات… والحقيقة تحمل في أحشائها الكثير من الوهم

– ولكن …

قالت جلنار:

– أنا مدينة له بحياتي

أنا ملك له

– كفاك هراءا واستمعي إلى : أنت ملك لنفسك وحسب الموت لك أفضل من أن يمتلكك إنسان أو أي كائن آخر.

– دعيني أجرب الحياة ولو مرة واحدة أرجوك ألست صديقتي؟!!

خاصمتها شجرة الرمان ولم تعد تتحدث معها .

-لم تهتم لأمري كثيرا ؟ مالذي أعنيه لها؟ ياإلهي من أنا أو بالأحرى ماذا أكون؟ أهي رسول من السماء، ويلي إن كان هذا صحيحا، إلهي خالقي وحافظي أعطني إشارة يااارب.

في الصباح الباكر أتت جلنار تحسست تلك الوفية، وجدتها عائمة بالمياه ظنت أنها حبات الندى الطرية، ولم تكن تعرف أنها دموع الرمان.

رحل الملاك دونما خبر، من دون أن يترك جوابا حتى.

عادت جلنار إلى طبيعتها زهرة مقلوبة صامتة تنتظر قوى أسطورية تعيد لها الحياة، ولكنها قالت في صمت الموت أفضل من أن تكون ملكا لكائن ما.

جلنار أحمد – ليبيا

اترك رد

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s