المشاركة الفائزة بالترتيب السابع بمسابقة القصة القصيرة التي اقيمت بمجموعة منبر الأدب الأربعاء 18/11
إنَّها تُمطر الآن ..
أعرف أنكِ تتساءلين اللحظة لِمَ لمْ أعرج في طريقي إلى كُليَّتك هذا الصباح، أكاد أجزم أنك تخلفتِ أيضاً عن المحاضرة؛ خشية أن تفوتِ رؤيتي فبقيتِ حاملة مطريتك على حافة موعد ضربتهُ لكِ البارحة فكان للوقت رأي معاكس للرغبة، أتت رياح القدر بما لا تشتهي سفن أحلامنا يا ريم هذه المرة، ففي محطات القَدر يا حبيبتي مرات كثيرة يتوجب على المرء ألَّا يرفع سقف أحلامه فيها كثيرا، وأن يتوقع الخسارة مسبقاً كي لا يصاب بذبحة خيبة فيما لو وصلته النتائج بعكس ما كان يأمله.
هذا ما حدث بالضبط معكِ مُذْ ابتلت ثيابك في هذا الصباح العاصف وأنتِ تتضورين شوقاً لعناقي، كانت خصلات شعرك مبتَّلة مرهقة تلثمها شفاه المطر بنشوة مفرطة بينما بقيتِ ترتجفين على قارعة اللحظة تتوسلين الوقت كيما يعجل بحضوري.
الرعد يشتد ويشتد، والبرق يضرب وجه المدينة نهاراً على غير عادته، الغيوم تبكي بحرقة دامية، تشكو مخاضاً عسيراً على فراش الأفق الفسيح،
وأنتِ نقطة تتماهى في براح الفقد تتأوهين كجمرة أطفأ الماء شهوة احتراقها على سرير الرماد.
كنت واقفة في باحة الكلية تتفقدين تلك الوجوه الهاربة من المطر، تحدَّقين في الملامح ومعاطف شتوية يرتديها شُبان كُثر تشبه بعض معاطفي، تحملين مطريتك بشمالك وتدسين يمينك في جيب معطفك، الصقيع يتغلغل في عروقكِ، يجتاح مسامات بشرتكِ، ويسبح في دمك، شفتاك الأرجوانيتان ترتجفان كسعفات نخلة شاطئية ضربتها عاصفة، أسنانكِ تصطك ببعضها وقلبكِ ينتفض.
كُنتِ حزينة كجذعٍ مصلوبٍ على قارعة الفقد، كسيرة كعصفور سرقت منه العاصفة عيدان عُشَّه، تقفين تماماً إلى جوار المقعد الأزرق والمُطّل على كُليَّة الاقتصاد بينما تلك الوجوه الهاربة من المطر ترمقكِ بنظراتٍ يملؤها الشك والتساؤل، تشيح عنكِ أخيراً ثم ماتلبث أن تغرق وتتلاشى في الضباب المسكوب مع العاصفة.
تتنهدين مُتململة متعبة وقد كفكفتْ الغيوم دمعها، وكشفت المدينة عن وجهها فبانت فتنتها على مرايا قاطنيها…وأراكِ وأنتِ تتسمرين دامعةً في مكانك، تتأبطين مطريتك، تسندين ظهرك إلى جذع شجرة باسقة، أراكِ وأنتِ تدسين وجهكِ الصغير في كفيك تنتحبين بشدة، أراكِ وأنت تتأرجحين كموجة، تغرقين كمركب، ثم تنتصبين من جديد كمنارة.
تتساءلين عن سبب عدم مجيئي في يوم وداعنا الأخير على أمل أن أعود إليكِ من بلاد الغربة بعد سنوات سمان أكون قد جمعتُ خلالها مالاً يجعلنا نعيش مستقبلاً معاً بكرامة، أراكِ وأنت تُقبَّلين حلقةً فضيةً في بُنصركِ الأيمن وكأنك تقبلين جبيني، أراكِ وأنتِ تخرَّين على ركبتيك منهارة باكية، وأراكِ وأنت تفلتين من بين أصابعك ورقةً مُجعدة، كنتُ أنا ذاك العشب الغارق تحت قدميكِ وكان قلبك هو تلك الورقة المجعدة بين أصابعك.
والأن هيَّا ارحلي ياحبيبتي لا تتأخري، عودي الآن باكراً ثم اغفري لي زلتي، في طريقي إليك ارتطمت بي سيارة طائشة فسرقت مني روحي هذا الصباح وسرقتُ دون قصدٍ حلمكِ معي، هذه المرة أنا من سينتظركِ في الحياة الأخرى يا حبيبتي…حسنا يا ريم قلبي لا تتأخري.
عبْدُه الصلاحي – اليمن