المشاركة الفائزة بالترتيب الثامن بمسابقة القصة القصيرة التي اقيمت بمجموعة منبر الأدب الأربعاء 18/11
أيتها الذاكرة أناديك ..
هيا إحكي لي وتقمصي دورة جدتي وهي تسرد لي خراريفها في ليالي الشتاء وأنا أتكور بجانبها كقطة مذعورة وجدت أخيراً بعد مطاردة أشقياء الحي لها الآمن والدفء …فمبيت صاحبة الغرة الحمراء العابقة برائحة القرنفل كانت ليلة عيد توزع فيها الحلوى على قلبي الصغير وحين تفتتح مسرح الحكايا بجوهرتها الرتيبة اللذيذة ..التي كنت في كل مرة أسمعها كأول مرة .. ياحزاركم يامزاركم يقفز قلبي طرباً لها فقريباً ستفتح لي مغارة نحو عالمٍ أجمل من عالم آليس وبلادها العجيبة التي عرفتها فيما بعد ..
أنبشي وأنكشي رمادي أيتها الذاكرة الحبيبة ليصبح جمره وهاج يتدفىء به قلبي الوحيد وأنا أحاول كتم صوت تكسر الموج في أذني وأستعرض بك طعم قبلات الحياة على وجنتي ..الآن أشتم عطركَ وكأنه يداعبني لأول مرة تلك الحموضة المحببة الممزوجة برائحة تشبه رائحة القرفة تنساب بين تلافيف روحي وترسم فيها دوائرٍ وحلقات تجعلني أرقص كدرويش يستعرض أمام شيخه خطواته الأولى …ولا يضاهي جمالها سوى جمال عمي سالم أول رجل عرفت معه قيمة الورد فقد كان يزور حينا وهو يقود دراجته المزركشة كعربة هندوسي في يوم عيد وتنام أزهاره خلف أذنه يمسكها بطاقيته الحمراء التي آكل الدهر حوافها وجعل بياضها من بياض شعيرات رأسه التي تعانق جبينه المجعد نهرع له ونلتف حوله ليرينا مايحمل في قفته من ورود وأزهار ..ياالله إني أشتمها الآن .. وهو الذي كان يأتي فقط ليوزعها علينا دون مقابل سوى كبشة ضحكات طفولية حين نتحلق حولها ونتسابق على أخدها ويضحك هو .. ماأجمل ضحكتك ياعمي سالم حين تكشف عن أسنان مارس عليها الزمن والتدخين لعبته كنت آراك ملاكاً تزورنا لتبيعنا الجمال مجاناً وترحل ..تفوح منك رائحة الياسمين الذي تلبسه كعقد حلمت فيما بعد أن أشتمه وهو يزين صدر صاحب تلك العينين الصغيرتين ذات ليل ….ورحل هو ورحل عمي سالم وبعدهم جدتي …
فاطمة يوسف – ليبيا