الفنار – فتح الله الحاسي المجدوب – ليبيا

الفنار . سيرة ذاتية صفحة 56

فتح الله الحاسي المجدوب – ليبيا

1970

لا ادري كيف اصف ذلك الاحساس الذي اجتاحني وانا طفل ابلغ من العمر تسعة اعوام ، عندما سمعت امي تبكي ، وتردد (ينعلي الصغير) وبما انني اصغر افراد العائلة ايقنت انني المقصود (بهذه الزفرة الموجعة التي اطلقتها امي، كانت تنهيدة خرجت من اعماقها محملة بالاسى والحزن والخوف..

اقتربت مني وضمتني بقوة واخذت تقبلني حتى احسست بسخونة دموعها على وجهي.

اما أبي كعادته لا تفصح ملامحه على شيء، كان ينظر الي وقد تجمع شيء ما في عينيه..

لم افهم غير انني استحسنت لهذه العاطفة والاهتمام حتى اخواتي غيروا معاملتهم معي الى الافضل .واخواتي البنات ينظرن الي بعيون حانية حزينة متعاطفة.

ماذا يحدث ؟ سؤال كبير يطرحه طفل لا يكاد يبين في الصباح اخذني ابي الى مستشفى المنصورة(الدراريس ) وهناك فهمت انني اعاني من كيس ماء في رائتي اليسرى والسبب بكل بساطة كلبي احجاب..

قال الرجل كيس كبير قد ينفجر في اي وقت ، ولا بد من الذهاب الى طرابلس(مستشفى ابي سته)

قررنا ان نبيت ليلتنا عند احد اصدقاء الوالد .

في بيت من الحجرة مسقوف بالزنك. عندما دخلنا الى البيت نظرت الي البنت الكبرى ونادتني بصيغة الانثى فقد كانت تعتقد انني فتاة وذلك لطول شعر راسي، الذي تجاوز الحد في الطول.اخبرتها بغضب انني رجل.

وضعوني في حجرة صغيرة ، مع جموعة من الاطفال الصغار الذين اقضوا مضجعي وهم يشدونني مع شعري

لقد قضيت ليلي وانا اضع يدي على راسي متأهب لرد على هذا التنمر. مرت ايام عصيبة فقد بدأت اشعر بالالم في صدري، كنت اسعل طوال الليل وتركت الدراسة حيث كنت ادرس في مدرسة اليقظة (عشية)

ايقضني ابي باكرا وقال لي (نمشوا لطرابلس) لا ادري ربما انتابني الخوف او التردد او الحيرة، الى اين انت ذاهب ايها الصغير.

طلبت من امي ان تذهب معنا لكن ابي رفض بحجة اننا ذاهبون الى المجهول لم يكن سهل الذهاب الى طرابلس .

في جراج المواصلات اجتمع اصدقاء أبي لوداعنا اذكر منهم الغويل ولد الاذاعي فوزي الغويل.. سيدي عبدالكريم فرج العبيدي والذي كان يعتبرني ابنه فقد حرم من الاولاد. محمد عبدالرازق المكانيكي وقد كان صغير. واخرين.

من بنغازي الى طرابلس عبر الخطوط الليبية، وعند وصولنا حدثت عدة مفارقات غريبة ، منها انني دخلت سجن الحصان الاسود..

والسبب اننا قضينا ليلتنا الاولى في بيت (المقدم موس احمد في حي الاندلس، فهو ذو قربة وصهر ايضا

وجدنا امامنا أخته عمتي (امباركة)وقد تحصلت على تصريح بالزيارة. وبالفعل ذهبنا معها جميعا ودخلنا في ممر ضيق حتى وصلنا الى حاجز من الحديد (شباك) خرج علينا كل من موس احمد، و بوالحاج ومجموعة كبيرة من ابناء قبيلتي . بستثناء مبروك الزول وهو ابن خالة والدي.

في مستشفى ابي ستة اطلقوا علي لقب الشرقاوي، وصرت معروف في كل العنابر والاقسام، حتى قسم النساء كنت اتردد عليه والسبب انني تعرفت على فتاة من مسلاتة. فتاة صغيرة جميلة جدا لكن ملابسها رثة وشعرها الاشقر الاشعث مهمل بشكل جميل.

صرنا اصدقاء واحببتها بشكل غريب . كلما اشتقت لامي او اختي او احد افراد عائلتي ذهبت اليها نلعب ونتحدث لقد صارت ونيسي في غربتي . وملاذي في وحدتي، كانت الفتاة مصابة بالربو في بعض الليالي تخنقها هذه الرزية حتى تشرف على الموت ، كنت اراها وهي تتألم وتتنفس بجهد وصعوبة. لقد كنت ابكي عليها وعندما تتنفس في الصباح تبتسم لي ونبدا من جديد.

في يوم احسب انه جمعه جاء دكتور مصري زائر واجرى عدة عمليات اغلبها فاشلة فقد مات اكثر من مريض تحت يديه.

عندما رأيته توجست منه خيفة، فقد كان كهل ياكد يسقط على الارض ، لم ارى في حياتي اكبر من اذني هذا الطبيب.

اجريت العملية وظللت عدة ايام في حجرة وحدي مع ابي ، كنت منهك متعب لكنني اتعافى ، طلبت من ابي ان ينادي على (المسلاتية) لكنه كان يتهرب. استطعت المشي وعلى الفور ذهبت الى قسم النساء أسأل عن (عزيزة) فقالوا لي انها شفيت وخرجت. خرجنا من المستشفى وبعد يوم ذهبنا الى المطار..

ونحن في الطائرة وضع ابي يده على كتفي. ثم هزني وقال: صاحبتك عزيزة ماتت.

لم ابكي لكني احتفظ بحشرجة في صدري منذ خمسون عام.

One comment

اترك رد

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s