قِصّة قصيرة جِدّاً
#الزّابطي!.
بينما كان بعض الشباب يتحلّقون حول موقد النّار، ويتسامرون، ويتحدثون بعفوية عن مُغامراتهم وطموحاتهم واحباطاتهم، ويتسابقون في سرد قصصهم وتصل ضحكاتهم إلى عنان السّماء، كان أحد الأشخاص، وإسمه “#بن_أمساعد” وينادونه بـ (#الزّابطي)، شارد الذّهن ولا يتكلّم. فقط كان يُحرّك النّار بعود في يده كعادة أهل تلك البلدة، وينظر للسّماء والسنة اللّهب أمامه. أثار ذلك إنتباه أحد أصدقاءه، فأراد أن يُخرجه من شروده ويُشركه في الحديث، فاتّجه اليه مناديا: ” أنت ..أيه أنت… أنت يا زابطي …. يا زابطي، خيرك ساكت؟،.. تكلّم، وإلّا ليس لديك ما تقول، أحكيلنا حتّى عن قَرْيتكم و #غابة_الزّيتون بها”. أنتبه “#بن_أمساعد ” الزّابطي، من شروده والتفت إلى صاحبه ثم قال موجّها حديثه لبقية الشُّلَّة; “ليس لدي ما أقوله، وأنا سعيدٌ بأحاديثكم الشّيّقة والإستماع إليها، أمّا عن قريتنا فيطول الحديث ولا داعي لذلك”. صمت للحظات ثم أردف قائلاً:
” قريتنا بإختصار قرية غريبة الأطوار والطّقس والأمزجة، فهي ليست ككُل القُرى. ففصول السّنة بها ليست بأربع فصول، كغيرها من قُرى العالم ومُدنه، وإنّما فصلان فقط. فأحدهما فصل الصّيف والثّاني فصل جهنّم، وأيّام الأسبوع عندنا ليست بسبعةٍ أيّامٍ، بل يومان فقط.
ففي يوم أهازيج وكشك وطبّيلة، واليوم الثّاني نواح ولطم وطبل. وأمّا عن الأمزجة والمشاعر، فحدّث ولا حرج فهي كذلك نوعان، فإذا ما أحبّوا أحدهم طمعاً أو خوفا، فهو الحكيم والشّيخ والفارس”#سيد_السّبيب” والمُلهم والسّيد المُطاع، حتّى وإن كان إبليساً، والعياذ بالله!. فتراهم يُبالغون في إكرامه ويتسابقون لتمجيده، وإذا ما تجرّأ عليه أحد أبنائهم، لا يرحمون هذا الإبن العاق، بل يطردونه ولربما يقتلونه، ثم يأتون لهذا الصّعلوك الحاكم، والذي صنعته مخيلتهم مُعتذرين ومُطأطئ الرّؤس وغايتهم إرضاءه، ولسان حالهم يقول” هاك الموس وأذبحنا بلا تقبيل…..”.
أمّا اذا “قلبوا” عليك المُجن, أي ناصبوك العداء، ولم تعجبهم، فسيستعيرون كل الفاظ السب والشتيمة وقصائد الحُطيئة في الهجاء، ولا يتوانون في إختلاق كل الأكاذيب ليُرجموك بها، دون أن يردعهم حُرمة دم أو جيرة أو دين، وسيشعرونك بإنّك أنت من قتل الحسين”.
سكت ” #الزّابطي”، عن الكلام، وسط ذهول الحاضرين وإندهاشهم، وتعكّر المزاج، وأنتهت السّهرة واالضّحك لضجيج وعمّ السُّكون القاتل وسط الظّلام الدّامس.
عبدالله كنشيل – ليبيا