غث الذاكرة ..
أذكر أنني ودعت (أويا)* في صبيحة ذلك اليوم من شتاء عام 2006 بعد أن أفرغت فنجان قهوتي بجوفي تاركاً ورائي صديقتي التي كانت جهزت سلة صغيرة مكتظة بثمار البرتقال وركنتها بيدين مرتعشتين إلى قعر صندوق السيارة، وبعينين مغرورقتين يفيض منهما شوق نقي أسكنني الهناءة رغم الحزن الذي غلف مقلتيها وكأنها تعلم أننا ربما لن نلتقي ثانية، وبنبرة مبحوحة نطقت:
أتعدني؟
قلت: بم؟
أن تأكل البرتقال.
أعدك بإذنه تعالى أن أفعل وأن أحتفظ بقشوره في حقيبة ملابسي كي تتطيب برائحته الزكية.
اليوم وبينما كنت أنقب عن بقايا ذلك الحلم بين طيات الذاكرة انقبضت عضلة قلبي، سقطت أنفاسي، قذفت بتنهيدة هائلة إلى حفرة حسراتي إذ صحوت على ركام مدينة حولتها أشباح الموت إلى أطلال موحشة، لوث البارود سماءها، جرفت آلة الدمار أبنيتها أحرقت نار الحرب اللعينة أشجار الزيتون والبرتقال ولونت ثمارها بدماء أناس لا ذنب لهم سوى أنهم امتهنوا الحب في زمن يبدو ان كل شيء فيه مباح إلا الحياة.
* أويا-الإسم الفينيقي لطرابلس الغرب.
حسين بن قرين درمشاكي
كاتب وقاص ليبي
شكرا بحجم الإبداع لصحيفة المنبر لسخاء النشر وبهاء التوثيق..
إعجابإعجاب