هي ما تُؤثِّثُ العمرَ حزنًا، وتحرثُ القلبَ قهرًا؛ كلما غامت بها الذاكرةُ أمطرَتِ الرُّوحُ وجعًا..
كسرةُ الخبزِ التي انتهبَها مني طفلٌ كبيرٌ وهربَ؛ كلما جاسَ الجوعُ بقلبي أشرت له بأن يتبعَها..
الأمنية الأغلى التي كنت أدَّخرها لشيخوختي؛ كلما لاحَ لي مِنجَلُ الهرمِ زجرتْهُ مكابرًا بعصا اصطباري المتين..
الموتُ الذي اختطف أمةً ممَّن أحبُّهم، كلما برزت لي نيوبه؛ استعرضت على فظاعته قائمة أسمائهم ليزدجر..
الوطنُ الذي اختطفَ قلبي صغيرًا؛ كلما غرسَ فيه جحودَهُ أريتُهُ خرائطَ الخيباتِ في روحي ليختشي..
التاريخُ المستكينُ لمشيئةِ الأوغادِ؛ كلما سُئِلتُ عن معنى الصَّفاقةِ صَفعْتُ وجهَهُ ليستفيقَ..
المُعَلِّمُ الذي قرصَ أذني حينَ ارتبكْتُ في إعرابِ الحالِ؛ كلما سئلْتُ عنِ الحالِ ارتبكْتُ وقرصْتُ أُذنَ السُّؤالِ..!!
العصا التي لسعَتْ يدي لنسياني واجبي المدرسيَّ؛ كلما تخيَّلت حفيفَها، قبَّلتُها ولعنتُ لسعَاتِ عمرِي الغادراتِ..!
الليلُ الذي ظلَّ يُسلمُ طفولتي لأشباحِهِ الموحشاتِ؛ كلما أخافني بعتمتِهِ استدعيتُ لَهُ جدَّتي..
الحزنُ الذي نصبَ أسوارَهُ الصَّلدةَ في وجهي؛ كلما تَعَسَّرَ عليَّ ثَقبُهُ؛ لَوَّحَتْ له كفُّ أمي..
الفقرُ الذي ظلَّ عندَ كمائنِ العوزِي فتِّشُ جيوبي؛ كلما أرادَ استفزازي صَفَّقَ قلبُ أبي..
الدِّرهمُ الذي التقمَهُ فمُ الأرضِ الواسعُ؛ كلما برقَ لي وجهُهُ برقَتْ له دموعُ الصَّغيرِ في عينيَّ..
الدُّمُوعُ التي ظلَّت تحفرُ روحي؛ كلما أرادت مباغتتي تنحنحَ جدِّي..
الأصدقاءُ الذينَ نحتوا تواريخَ غدرِهم على ظهري؛ كلما أردت أن أكرههم نهرني قلبي..
الحلمُ الذي دغدغَ أعماقي ورحلَ؛ كلما تغشَّاني حلمٌ أبحت له أعماقي..
القصائد التي خانتني لوجهِ نثرٍ قميءٍ؛ كلما أمعنت في هجرها انحنت تقبِّل يدي..
الطَّفولةُ التي انقضت بسرعةٍ لهفٍ؛ كلما عاتبتها ركضت خيولها في تجاعيد روحي..
العاشقاتُ اللاتي ملأتُ لهنَّ العمرَ غزلًا؛ كلما أعلنْتُ هجرَهُنَّ هززْنَ جذوعَ الهوى فتساقطَ قلبي..
الكرةُ التي عجنتْهَا سيَّارَةٌ عمياءُ ففجَّرَت في داخلي براكين أسى؛ كلما رأيت كرةً مثقوبةً انثقبت أعماقي حسرةً..
القهوةُ التي انسكبَتْ قبلَ أن أتشرشَفَها فانسكبَتْ روحي خلفَهَا؛ كلما نظرْتُ للفنجانِ رأيتني أملؤهُ بي..
قصيدة: تَحَسُّرَاتٌ
جمعة الفاخري – ليبيا
