الشوارعُ في كلّ المدنِ جابيةُ ضرائب
تُلزم العاهرةَ أن تُنقدها أجرةَ التسكع فيها
ومهارة التقاط رجلٍ يسقيها ويطعمها..
ويكسوها من عراءِ الوقتِ زمنًا تعيش فيه.
ثمةُ مسدس تتحسسه الشوارعُ
كلما مرّت بها امرأةٌ ما
وكأنما تقول لها: أمكِ مشتاقة لرقبتك،
لصورة الأشعةِ التي تُظهر ثقبًا نافذًا في رئتِيك
وروحًا تَسقطُ من سلالمِ الأفقِ الزلِقة.
الشوارعُ ليست بيتَ زكاةٍ لكلّ عاطل
الشوارعُ لا تعطي ظهرها للجميع؛
بل تشفطهم!
دائما ما تصنع الصُلبان
وتعلقها على النواصي ملاذاتٍ
تأمن لها الطيور والحشرات وبقايا زفير جثة،
ونظراتٍ تمارس الارتياح إلى ضوءٍ،
وأسئلةٍ تجيب على خيبات حيرتها.
الأمرُ يزدادُ إثارةً
كلما أرسلتُ قبلةً في الهواءِ إلى “لا أحد”
كلما نحتُّ في عظامي شريانَ قصيدةٍ إلى “لا أحد”

كلما نشرتُ أحلامي المهدرة على حبلِ غسيلٍ
أو كلما مسح لساني الأرصفةَ من فخاخها،
ليصل بقلبهِ الواهنِ نشوةَ الشبع..
إلى “لا أحد!”
الشوارع سيّدة التجارب..
أمّارةُ الناسِ بالسوءِ،
واختصام الزنادقة أيهم يصلُب “الرب” أو يقتله..
أيهم عند قيامته يُجبر الأرضَ أن تسترده
أو يعتق من لحم “يهوذا” نصلَ سكينٍ صدئ.
………….
”بوذا”،
”كونفشيوس”،
”لوثر كينج”
”نيتشه”،
”شوبنهاور”،
”ديكارت”
”موزارت”،
”بيتهوفن”،
”رياض السنباطي”
”شارلي شابلن”،
”مارلين مونرو”،
”صوفيا لورين”
”فريد الأطرش”،
”عزيزة جلال”،
”الفيس بريسلي”
هؤلاء، في الأصل، هم آلهةٌ بشريّون..
أتحبينَ أن أكتم هذه الفوهاتِ عن الصراخ؟
أتحبين أن أشوي لحمهم
وأذرّ رماد جثتهم في فيافي البحار؟
هؤلاء جميعًا من صحيفةِ تاريخي
هؤلاء ثوراتي المعنية بالعناءِ والحزنِ
والزحف والخرف والمجون والطاقة والتناص
والموتِ والنجاةِ والموسيقى والخلودِ
والشجنِ والبؤسِ والكآبةِ
والفضيلةِ والصعلقةِ..
هؤلاء ذنبُ الحياةِ المعلقِ
في رقبةِ الحلم
وأنا شخوصهم الممددة على منصاتِ
بيعِ الدمى/ المقربة للذبحِ
في أربطةِ الكهنوت.
………..
الشوارع المنكوبة بالخرابِ،
ليس فيها ظلٌ يسقي ربّها ما تيسر من ضياء
وأنا “ربها”/ الظمآن خمرًا،
فاعتقيه أيتها الأقبية المنسية في عذرية القتامةْ.
الشوارع المنكوبة بالخرابِ،
أنا “ربها”/ يبيع بَنيهِ في الطرقات
ويمضي قُدمًا بلا نبوءة في التقاءِ الشمس
أصطحبُ الليلَ في جيبِ قميصي الأزرق..
ليس فيه غير صناديقِ الشوارعِ الملغومةِ جُثثًا.
الشوارعُ انهزاماتُ الضوءِ وانتصاراتُ الجُثث!
محمد حسني عليوة – مصر
