هجرتكِ يا دنياي من غير رجعةِ
وكانت إلى وادٍ من الشعرِ هجرتي
تجلّى على طوري وأبصرتُ وجهه
وبدّدتُ بالإيمانِ شكي وحيرتي
وناجيتُهُ في عتمةِ الليلِ خاشعًا
وصليتُ في محرابهِ ألفَ ركعةِ
وطفتُ به سبعًا كما طافَ محرمٌ
من النَاسِ يوم الحج من حول كعبةِ
وهرولتُ ما بيني وبين قصيدتي
كما هرول الحجاجُ في بيت مكةِ
ونادمتها سرًا وجهرًا فلم أذق
ولا هي ذاقت مثل كأسي وخمرتي
تراها إذا ما أورقت في أناملي
فتبصرني فيها وتعروك حيرتي
وتسمعني فيها فهمسيَ همسها
وصرختها إنْ ترهفِ السمعَ صرختي
كأني أنا والشعر في الأرض توأمٌ
كبرنا معًا حتى غزا الشيبُ لمّتي
تنادي إذا ما غبت عنها هنيهةً:
حبيبي! وإن غابت أنادي: حبيبتي!
وإن أُثقلت بالنوم عيني وجدتها
تراودني في الحلم من بعد هجعتي
كأنا خلقنا كي نكون لنا معًا
كما شاءت الأقدار من بعد غربة
فما ننتهي في الحب إلا لتبتدي
لنا رحلةٌ ما أشبهتْ أيَّ رحلةِ
سرينا معًا في الأبجدية مثلما
سرتْ نجمةٌ في الليل في كفِّ نجمةِ
أميل بأعضائي عليها فينثني
عليّ جناحاها برفقٍ ورقةِ
كأني أنا الفلاحُ في الحقل عاكفًا
عليها لأحمي تمرها وهي نخلتي
تقطرني حرفًا فحرفًا كأنني
بها مطرٌ ينهلُّ من ضَرْعِ غيمةِ
وتكتبني حتى تخيلتني صدىً
لها في تضاريسٍ من الأرضِ وعرةِ
كأني أنا المرآةُ أبصرتُ وجهها
فأيقنتُ أن الشعر وجهي ووجهتي
أنا ظلها في الأرض ما زلتُ أنتمي
إليها وأتلو وِردها وهي قِبلتي
عبدالوهاب أبوزيد
